إدارة المياه مستقبل البيئة

إدارة المياه مستقبل البيئة

إدارة المياه مستقبل البيئة

 العرب اليوم -

إدارة المياه مستقبل البيئة

بقلم - نجيب صعب

مستقبل البيئة محكوم بالإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية وتغيير أنماط الاستهلاك، لأن التكنولوجيا لا يمكن أن تحل كل المشكلات. وإذا كانت التحديات الرئيسية التي تواجه البيئة العربية هي ندرة المياه وتمدُّد الأراضي الجافة وتلوُّث الهواء في المدن وتدهور المناطق الساحلية وارتفاع البحار، فمحدودية المياه العذبة المتجددة تبقى الخطر الأكبر. وللدلالة على حرج الوضع، تكفي الإشارة إلى أن معدل المياه العذبة المتجددة المتوافرة للفرد العربي انخفض خلال 15 عاماً فقط من 900 متر مكعب إلى أقل من 500 متر مكعب سنوياً، وهو مستوى الندرة المطلقة، بينما يقع 14 بلداً عربياً في فئة البلدان الأفقر بالمياه في العالم. لكن المعدلات العامة، على فداحتها، تخفي حقائق أفظع، لأن حصة الفرد من المياه المتجددة في معظم بلدان المنطقة تقل عن 200 متر مكعب، وتصل في أدناها إلى ما دون 5 أمتار مكعبة، وهذا يقع خارج التصنيفات المعروفة، إذ يلامس حافة العطش. وتسدُّ البلدان عجزها المائي بتحلية مياه البحر واستنزاف المياه الجوفية غير المتجددة. لكن حين يترافق هذا مع موجات حرّ وجفاف عاتية، في منطقة تعاني الجفاف أساساً، يدخل الأمن الغذائي والأمن المائي معاً دائرة الخطر.

«متحف المستقبل» في دبي، الذي استضاف «أسبوع مستقبل المناخ» بالتعاون مع «مؤسسة فكر»، كان المكان المثالي للحديث عن مستقبل البيئة العربية. وقد دار كلامي حول نقطة محورية، هي أن رعاية البيئة والعمل المناخي الفاعل والتنمية القابلة للاستمرار، طموحات لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إدارة الموارد المحدودة بكفاءة عالية. وهذا يستدعي تطبيق مفهوم «المياه الافتراضية»، أي حساب المحتوى المائي لكل ما نستهلكه، كأن ندرك أن إنتاج ليتر واحد من الحليب يحتاج إلى ألف لتر من المياه، وإنتاج كيلوغرام من اللحم البقري يحتاج إلى 15.000 لتر، وحصاد كيلوغرام من الأرز يستهلك 3.400 لتر. هذا يعني ضرورة وضع حدٍّ للهدر وتعزيز الكفاءة، بإنتاج كمية غذاء أكبر بقدر أقل من المياه. وقد يستدعي هذا، أيضاً، تعديل أنماط الاستهلاك والتعوُّد على مذاقات جديدة، إذا اقتضت محدودية الموارد التبديل بأطعمة تقليدية، أخرى أقل استهلاكاً للمياه والنظم الطبيعية عامة. كما يقتضي الحل المتكامل احترام الترابط بين الأمن الغذائي والأمن المائي وأمن الطاقة. وتكتسب هذه التحديات أهمية كبرى مع آثار تغيُّر المناخ، التي تفاقِمها وتضاعف من مخاطرها.

تُظهر الأرقام أن نمو الدخل القومي في الدول العربية خلال السنوات الخمسين الأخيرة حصل أحياناً كثيرة على حساب هدر الموارد الطبيعية غير المتجددة. وفي حين تضاعفت البصمة البيئية للمنطقة العربية خلال هذه الفترة بمعدل 85 في المائة، تدهورت القدرة الحيوية المتجددة للطبيعة بمعدل 65 في المائة. هذا يعني أن المنطقة في حالة عجز بيئي، تحاول سدّه عن طريق مزيج من الاستيراد من الخارج والاستغلال المفرط للموارد المحلية المحدودة غير المتجددة، أي الاستدانة من حصّة الأجيال المقبلة.

وفي حين يمكن للبنوك المركزية أن تتصدى للانهيارات الاقتصادية والمالية بطبع مزيد من الأوراق النقدية، لا يمكن للحكومات مواجهة عجز الأنظمة الطبيعية وانهيارها بطبع هواء نظيف ومياه عذبة وتراب خصب. لذا لا بد من إدخال كلفة التدهور البيئي وسعر استثمار الموارد الطبيعية في حسابات الربح والخسارة، وعدّها عنصراً أساسياً في الميزانيات الوطنية. والمطلوب أيضاً تعزيز الاستثمار في البحث العلمي وتنمية القدرات البشرية المحلية، وتخصيص فائض الدخل للاستثمار في التحوُّل الذي يقتضيه صراع البقاء في مستقبل متغيّر.

الإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية المحدودة مسار حتمي، وليست خياراً للدول العربية، بالترافق مع تعاون إقليمي يستفيد من المزايا النسبية التفاضلية لكل بلد عربي. لقد حققت بعض الدول العربية إنجازات كبرى في مجالات التنمية والاستدامة والعمل المناخي، بما فيها برامج ضخمة في الطاقة المتجددة وإدارة المياه والبنى التحتية المتطورة والاقتصاد الأخضر عامة. لكن لا بد من تعميم الفوائد على جميع بلدان المنطقة، فلا يتخلّف أحد عن الركب، بما يعزز الازدهار ويدعم الاستقرار.

الدول العربية مدعوّة، على أبواب القمة المناخية المقبلة (كوب 28) في دبي، إلى اعتماد مواقف موحدة وطرح مبادرات استباقية، لتكون جزءاً من القرار بدل الاكتفاء بردات الفعل. ويمكن الاتفاق على المواقف التفاوضية المناسِبة في الاجتماع العربي التحضيري لقمة المناخ، الذي تستضيفه الرياض بعد أسبوعين، كما فعلت الدول الأفريقية خلال اجتماعها التحضيري الذي عقدته في نيروبي الشهر الماضي.

في ختام حديثي في متحف المستقبل، دعوت إلى الاستفادة من تجارب الآخرين، ونقل الناجح منها بلا خجل، بما يتلاءم مع احتياجاتنا. فمشكلاتنا، على حدّتها، ليست فريدة، وعلينا أن نتعلم من الحلول التي توصّل الآخرون إليها.

*الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدارة المياه مستقبل البيئة إدارة المياه مستقبل البيئة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab