هل دخلنا عصر الانقراض

هل دخلنا عصر الانقراض؟

هل دخلنا عصر الانقراض؟

 العرب اليوم -

هل دخلنا عصر الانقراض

بقلم - نجيب صعب

سجّل صيف 2023 أعلى معدلات الحرارة على مستوى العالم، بالترافق مع كوارث طبيعية لم نشهد مثيلاً لها من قبل. صحيح أن الحرائق والفيضانات ظواهر طبيعية تحصل دائماً، لكنها اجتاحت هذا الصيف مناطق جديدة، وتميّزت بحجمها وحدّتها واتّساع رقعتها وتكرارها خلال فترة محدودة. فما إن ينتهي حريق حتى يبدأ فيضان يجرف بلدات بأكملها، كما حصل في اليونان، كأن العالم دخل في دورة مدمّرة لا نهاية لها. ولم تسلم المنطقة العربية هذه السنة من غضب الطبيعة، فتسابقت فيضانات ليبيا مع زلزال المغرب في حصد آلاف الضحايا. وفي حين كنا نستخدم عبارة «غير مسبوق» كل بضعة عقود أو أعوام لوصف الظواهر والأحداث المتطرّفة، دخلت هذه العبارة الاستخدام اليومي، في التقارير العلمية كما في الإعلام وعلى ألسنة الناس. لكن حذارِ استخدام تغيُّر المناخ حِجّة للتغطية على التقصير، كلّما حصد انهيار سدّ أو اندلاع حريق آلاف الضحايا، بسبب البنى التحتية السيئة والفساد وسوء الإدارة.

ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي والحرائق في غابات الأمازون ومجاهل الأرض بقيت عند كثيرين قصصاً من الخيال العلمي، وفي أفضل الحالات تحذيراً من أحداث يمكن أن تأتي. لكن ما يحصل حول العالم اليوم أخرج البشرية من غرفة الانتظار ليُدخِلها في عصر جديد. وإذا كانت الإشارة إلى «عصر جديد» في الماضي تبشّر بالتقدم الحضاري والعلمي، فهي اليوم أقرب إلى التحذير من الانحلال والدمار، كأنما البشرية دخلت فعلاً عصر الانقراض.

أكثر أنواع العِلم قُرباً من الجمهور هو ذاك الذي يحمل وجهاً إنسانياً، بحيث لا يكتفي بالأرقام المجرّدة بل يربطها بحياة البشر. لذا كان الوصف الذي سمعته من عالم الطبيعة الهولندي مارتن لونن، بعد عودته من رحلته الاستكشافية الأخيرة إلى القطب الشمالي، أبلغ شهادة على دخولنا منطقة الخطر.

منذ 35 عاماً، يقوم الدكتور لونن برحلة دورية إلى جزيرة سبيتسبيرغن القطبية لإجراء أبحاث حول الأوز. هذه المرة عاد مندهشاً مما شاهده بالعين المجردة، وليس بأجهزة القياس. فقد صدمه التغيُّر السريع والحادّ في المناخ، وليس في الأوز، موضوع بحثه. وإذ توقّع أن يتمكّن الأوز القطبي من التأقلم مع التغيُّرات بالترحال إلى مناطق أخرى على الأرض، استبعد أن يتمكّن البشر من التأقلم، في غياب خطوات كبيرة وسريعة للمواجهة. فللمرة الأولى منذ بدأ أبحاثه في المنطقة عام 1988، لم يحتج إلى قفازات لتدفئة يديه، لأن الحرارة وصلت إلى 12 درجة مئوية. أما الجبل الجليدي، المتصل بالجزيرة منذ دُهور، فهو يذوب سريعاً ويبتعد عنها، متخطياً هذه السنة مسافة 3 كيلومترات. وفي حين كان بعض الجليد يذوب كل سنة مع ارتفاع الحرارة موسمياً، فهو كان يتجمّد من جديد، لا كما يحصل اليوم إذ يذوب ولا يتجدّد.

بعض المشكّكين يردّدون أن ما يحصل هو نتيجة لدورات طبيعية تحصل كل بضعة آلاف من السنين. غير أن الفرق شاسع بين الأمس واليوم. فالتغيُّر في معدلات الحرارة الذي حصل خلال الدورات الطبيعية السابقة استغرق آلاف السنين، مما أتاح للبشر والكائنات الحيّة والطبيعة وقتاً كافياً للتأقلم، على نقيض التغيُّر السريع الذي نشهده اليوم. عدا عن أنه كان من الأسهل على التجمُّعات البشرية المترحّلة وغير المستقرة التأقلم مع التغيُّرات قبل آلاف السنين، لأنّ الترحال كان جزءاً من طبيعة وجودها، وهذا لا ينطبق على المجتمعات المستقرة اليوم، مع مصادر إنتاجها الغذائي والثقافي ونسيجها الاقتصادي والاجتماعي، الذي تخطى عصر البداوة.

فهل ننتظر من مجتمعات اليوم أن تحمل مزارعها ومصانعها ومتاحفها وجامعاتها ومستشفياتها على ظهرها وترحل؟ والعجيب أن بعض المشكّكين بآثار التغيُّر المناخي يطالبون بهذا، على اعتبار أن التغيُّر المناخي قد يؤثِّر إيجاباً في بعض الأماكن، في مقابل تأثيره السلبي في مناطق أخرى. لذا يمكن، في رأيهم، انتقال البشر من الأماكن التي يجعلها التغيُّر المناخي غير صالحة للعيش، إلى أماكن أخرى في مجاهل الكرة الأرضية، قد يحسّن التغيُّر المناخي ظروف الحياة فيها.

عاد مارتن لونن من القطب الشمالي هذه المرّة بقلق كبير على مستقبل أحفاده، لأن عدم وقف التغيُّرات المناخية للحدّ من آثارها المدمّرة سيقضي عليهم أو يُجبرهم على الرحيل إلى أماكن أخرى. وقد تتحوَّل بعض المجتمعات من مضيفة للاجئين إلى باحثة عن مواطِن أخرى تؤوي الهاربين منها. وعلى الذين يرون في هذا السيناريو خيالاً علمياً أن يتذكروا أن استمرار تغيُّر المناخ وارتفاع درجة حرارة المحيطات وذوبان الجليد القطبي على هذه الوتيرة، قد يؤدي إلى أبعد من موجات الحرائق والفيضانات والجفاف الموسمية، إلى دمار ثابت. فارتفاع مستوى البحار سيغمر مناطق منخفضة واسعة حول العالم، ويُجبر سكانها على الرحيل، إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً.

لهذا، فقد رأى الدكتور لونن في حرائق أوروبا وفيضاناتها هذا الموسم وجهاً إيجابياً، إذ نقلت المشكلة إلى وسط الدار وفناء البيت، ولم يَعُد تجاهلها ممكناً. وكما في أوروبا، لم توفِّر الحرائق والفيضانات الكبرى هذا الموسم أي مناطق أخرى من العالم، من الولايات المتحدة وكندا إلى آسيا وأفريقيا والبرازيل. ولم تَسلَم المنطقة العربية من الآثار، وهي بين أكثر مناطق العالم جفافاً وندرة في المياه.

في قمة أفريقيا المناخية التي عُقدت في نيروبي، أطلق زعماء القارة صرخة تحذير من ضعف حجم التمويل لتدابير الحدّ من تغيُّر المناخ ومواجهة آثاره، رغم الوعود التي تطلقها في كل مؤتمر دولي الدول المتقدمة التي كانت المسبِّب الرئيسي للانبعاثات. ولا بدّ من أن تُطلِق الدول العربية صرختها في المؤتمر المناخي الإقليمي الذي تستضيفه الرياض الشهر المقبل، خصوصاً أن السعودية أعلنت مبادرتين جديدتين لمواجهة آثار التغيُّر المناخي وإحياء الطبيعة: الأولى إنشاء «المنظمة العالمية للمياه» في الرياض، وذلك لإدارة المياه على نحو رشيد، بتعزيز الكفاءة وتطوير الموارد. أما المبادرة الأخرى، فهي الإعلان عن أهداف محدّدة لإحياء المحميات الطبيعية، عبر زرع ملايين الأشجار وإعادة توطين الأنواع الحيوانية والنباتية بحلول سنة 2030. وهذا يُضاف إلى برامج كُبرى للتحوُّل بخطى سريعة نحو الاقتصاد الأخضر.

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية».

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل دخلنا عصر الانقراض هل دخلنا عصر الانقراض



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab