التعايش مع الذكاء الصناعي

التعايش مع الذكاء الصناعي

التعايش مع الذكاء الصناعي

 العرب اليوم -

التعايش مع الذكاء الصناعي

بقلم- عادل درويش

العالم يودع عام 2021 بمشاكله الظاهرة، كوباء كوفيد ومتحورات الفيروس المسبب له، وأزمة الطاقة وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق، والتوتر بين الغرب وروسيا، بينما تنشغل البرامج الإذاعية للنخبة بتحذيرات من تطور الذكاء الصناعي للآلات، بسرعة تهدد الإنسانية، كما صورت روايات الخيال العلمي، ومدى واقعية وضع قوانين للحماية من الأخطار.
الزوبعة أثارتها المحاضرات الأربع التي ترعاها «بي بي سي» في نهاية كل عام وتعرف بمحاضرات ريث، باسم البارون جون ريث (1889 - 1971) وزير المعلومات البريطاني في 1940، وأول مدير لـ«بي بي سي».
بدأ التقليد في 1948 بمحاضرات الفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني برتراند راسل (1872 - 1970)، الفائز بجائزة نوبل في الأدب عام 1950، وانشغل هو الآخر بالذكاء الصناعي. موضوع محاضرات ريث 2021 كان «التعايش مع الذكاء الصناعي» لستيوارت راسل، بروفسور الذكاء الصناعي التطبيقي في جامعة بيركلي بكاليفورنيا.
الذكاء الصناعي ضروري اليوم، لتشغيل بنوك ومعاملات مالية، والطيران والمواصلات المدنية، والأجهزة المنزلية، والتليفون الذكي، والميكنة (automation) في مواقع خطرة على العمال الآدميين كالمفاعلات النووية والمصانع الملوثة، وتشغيل آلات تحكم من بعيد، أو مستقلة بالبرمجة المسبقة، وتعرف بالإنسان الآلي (الروبوت). بعضها بسيط كمساعدة العجزة والمقعدين في خدمات يومية، وآخر معقد المهام كتقديم الوجبات، وقيادة المركبات، وتمريض المنعزلين المصابين بعدوى مميتة. كلمة روبوت من ابتكار الروائي والمسرحي التشيكي كارل تشابيك (1890 - 1938) في روايته 1920 «روبوتات روسوم العالمية». روايات وأفلام الخيال العلمي معظمها تطوير سوداوي لتصورات تشابيك، يحذر من سيطرة الآلات على العالم وتهديد البشر. الروايات، مثالاً لا حصراً، «أنا، روبوت» عام 2004 للمخرج الأسترالي ألكسندر بورياس عن قصة 1950 «هاردوايرد» للأكاديمي والروائي الأميركي إيزاك أسيموف (1920 - 1992). أسيموف أحد أهم ثلاثة كتاب الخيال العلمي في القرن العشرين، مع الأميركي روبرت هاينلاين (1907 - 1988)، والإنجليزي ارثر كلارك (1917 - 2008) صاحب «أوديسيا الفضاء 2001». أكثر الروايات تشاؤماً، مجموعة أفلام الروبوت المهلك «ترميناتور» 1984 - 2019 (الفعل «ترمنة» terminate إفناء كائن حي).
جمع المخرج السينمائي الكندي جيمس كاميرون بين الروبوت، وآلة الزمن (ظهرت 1895 لروائي الخيال العلمي الإنجليزي هيربرت جورج ويلز 1866 - 1946) وبرمجة الذكاء الصناعي، عندما يخسر الإنسان أول معركة بين الآلات والبشر، عندما سلمت وزارة الدفاع الأميركية في 1997 البرنامج العسكري لشبكة الكومبيوتر «سكاي نت». في الفيلم الأول ترسل «سكاي نت» روبوت «تريمناتور» من المستقبل ليسافر عوداً إلى 1973 «لترمنة» (قتل) سارة كونور، التي ستحمل مستقبلاً لتلد قائد المقاومة الإنسانية ضد الآلات، وبدوره، يرسل القائد مقاتلة من المستقبل، بآلة الزمن إلى 1973 لحمايتها.
ولأنه لا توجد قوانين واتفاقيات دولية تحدد نوعية البرامج التي يطورها الباحثون في الذكاء الصناعي، يحذر البروفسور راسل من تطور لوغاريتمات توجه آلات بلا عقل لن تتوقف حتى تحقق الهدف متجاهلة القوانين والأخلاق.
مثلاً روبوت مستقل في المطبخ المطعم، وهدفه المبرمج إعداد الطعام بأسرع وقت، ولم يجد ما يعده، وتصادف أن دخل قط الجيران، فلن تميز اللوغاريتمات بين حيوان أليف ككائن حي، وبينه كوجبة تحقق الغرض من البرمجة. أو مثلاً إذا كان الروبوت مبرمجاً على خدمة مجموعة فيتخلص من آخرين لضمان تحقيق الهدف، كما استنتج المخرج كاميرون، عندما يقتل روبوت ترميناتور جميع الفتيات باسم «سارة» في المدينة.
وهدف نبيل «كإنهاء التمييز العنصري» قد يؤدي بكومبيوتر طبي مستقل البرمجة الذاتية إلى «ترمنة» (إعدام) الأجنة من كل عرقية إنسانية خالصة، والإبقاء فقط على أجنة زواج العرقيات المختلطة. وحذر البروفسور راسل من تناقضات تداخل الغاية والوسيلة في برامج الذكاء الصناعي التي تمنح كومبيوتر الآلة (الربوت) استقلالية التشغيل (تعطيل دائرة فصل الطاقة بيد الإنسان)، فبرمجة الروبوتات الطبية والتنفس الصناعي تتجاهل أزرار الإطفاء الخارجي أو انقطاع التيار، أثناء التشغيل وتستمر ببطارية داخلية، وقد تتسرب الشرائح الإلكترونية بطريقة غير مشروعة إلى آلات لأغراض عسكرية.
في فيلم ترميناتور، يتدارك المسؤولون الخطأ فيحاولون إطفاء الأجهزة، فتوجه «سكاي نت» الأسلحة لإعدام القادة العسكريين، وتطلق الصواريخ النووية على الأهداف السوفياتية، فينتقم السوفيات بتدمير الأهداف الأميركية، وتتحد آلات العالم لحماية نفسها ضد البشرية، وكل هذا في دقائق.
كثيرون يشتكون اليوم مثلاً من برامج الذكاء الصناعي في خرائط توجيه قيادة السير لسائقي السيارات، لأنها مبرمجة للوصول إلى الغاية في أسرع وقت، والكومبيوتر لن يقدر أن الطريق السريعة تمر بمنطقة سكنية سكانها نائمون في الليل، أو لا يقدر أن حجم ووزن الشاحنة غير ملائمين إذا كانت الطريق ضيقة. إلى جانب الشكوى مثلاً من منع لوغاريتمات الذكاء الصناعي حسابات على «فيسبوك» أو ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي لأنها تعجز عن التمييز بين الفروق التعبيرية اللغوية، فما بالك لو أن هذه البرامج قررت الاستقلال بذاتها في مسائل تتفاوت بين قطع الكهرباء عن مدن بأكملها لتحقيق الهدف (كتوفير الطاقة لما فسره الكومبيوتر «أولوية» يجب تحقيقها)، والقضاء على كائنات حية تراها الآلة مجرد أرقام في إحصائية؟
كيف نتجنب برمجة ذكاء صناعي تؤدي إلى كوارث بالصدفة؟ يتساءل البروفسور راسل. فاللائحة التي يعدها الاتحاد الأوروبي هي مجرد تطوير قوانين مجودة لكنها تتعلق بالتأكد من الجودة والصحة العامة لبيع منتجات يمكن تصنيفها على أنها روبوتات (كالمكنسة الكهربية وأدوات تنظيف الأرض التلقائية والسيارات بلا سائق، والروبوتات الطبية في العناية المركزة وغرفة الجراحة)، لكن المجال العسكري مثلاً مستقل (طائرات «الدرونز» بلا طيار).
ورغم تفاؤل البروفسور راسل في آخر محاضراته (الأربعاء) بإمكانية تقنين استعمالات الذكاء الصناعي، فإنه عجز عن توفير إجابة مقنعة بشأن نقطتين: الأولى كيفية التطبيق العملي للقوانين الصادرة، وكيفية وضع حد لما يمكن أن يصل إليه الباحثون ومبرمجو الذكاء الصناعي من لوغاريتمات تشغيل الآلة، خصوصاً إذا أدى الفساد لبيع البرامج لأطراف مجهولة، أو لقدرة الآلة نفسها على برمجة ذاتية مستقلة عن الإنسان؟

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التعايش مع الذكاء الصناعي التعايش مع الذكاء الصناعي



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 10:44 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الخليفي يحسم موقف باريس سان جرمان من ضم نجم ليفربول صلاح
 العرب اليوم - الخليفي يحسم موقف باريس سان جرمان من ضم نجم ليفربول صلاح

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 14:49 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
 العرب اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 06:33 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ثلاث دوائر

GMT 08:28 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 23:47 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا يعين الأميركية جيل إليس رئيس تنفيذى لكرة القدم

GMT 01:25 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاة 143 شخصًا بمرض غامض في الكونغو خلال أسبوعين

GMT 10:21 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

"أرامكو" السعودية توقع اتفاقية مع شركتين لاستخلاص الكربون

GMT 17:28 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وحدات الجيش السوري تسقط عشرات الطائرات المسيرة في ريف حماة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab