مخاطبة الرأي العام

مخاطبة الرأي العام

مخاطبة الرأي العام

 العرب اليوم -

مخاطبة الرأي العام

بقلم: عادل درويش

قبل أسبوعين تناولنا مسألة «التلاعب بسيكولوجية الجماهير» 13 أغسطس (آب) عبر أدوات تشكيل الرأي العام من صحافة ومنصات التعبير ووسائل نقل الأخبار.

     

 

             

 

المدرسة الصحافية الكلاسيكية لا تعترف بادعاءات مثل «مسؤولية الصحافة في المجتمع»، ليس فقط لتناقض الشعارات لمفهوم السلطة الرابعة كضرورة ديمقراطية، بل أيضاً تجعل من الصحافي متطفلاً لأن تدريب الأفراد على السلوك النموذجي في المجتمع، من مهام مؤسسات كالمدرسة، والأسرة. ومهمتنا كصحافيين نعمل في خدمة القارئ أو المتفرج، تقتصر على الاستقصاء للتوصل إلى المعلومة لنقل الخبر بتعريف أستاذ الصحافة اللورد نورثكليف (1865-1922): «الخبر هو معلومة تريد جهات ما منع نشرها ـ والباقي إعلانات».

بالنسبة إلى «التلاعب بالرأي العام،» يعود الأمر، في اعتقادي، إلى التسرع ونقص التدريب الصحافي والتساهل المهني أكثر منها «مؤامرة» أو «خطة مقصودة»، وربما يفوت كثير من الصحافيين من الأجيال الشابة أن ترك معلومات أساسية، من القصة الصحافية أو الفيديو المبث، هو انحياز أو عدم حيادية يفقد العمل مصداقيته لدى المتلقي، خاصة عندما يقنع الصحافي نفسه بفكرة أو قضية يعدُّها هدفاً سامياً، وغاية نبيلة. ففكرة «الخير» و«الشر» تتحول في كثير من الأحوال وتحت ضغوط العقائد إلى ما يمكن، تعريفه مجازاً «بالتحليل» و«التحريم». ورغم ترديد المؤسسات التي تشكل الرأي العام شعارات كحرية التعبير، ورفض الرقابة بكل أشكالها، فإن ترسيخ مفاهيم «التحليل» و«التحريم» في لاوعي محرري نشرات الأخبار والقصص المبثة، قد لا يؤدي إلى رقابة على النشر بالمعنى التقليدي، لكنه سيؤدي دوماً إلى الانتقائية التي تحرم القارئ أو المتفرج من تفاصيل بالغة الأهمية، وتفقد المنبر الصحافي مصداقيته لدى الجمهور.

فمثلاً تغطية مؤسسات صحافية كبرى لأخبار معينة تكاد تكون من زاوية واحدة تتجاهل الأبعاد والتعقيدات الأخرى. وعندما تكتسب هذه المؤسسات، خاصة العريقة، سمعة «كالليبرالية»، و«التقدمية» (أي اليسار الراديكالي)، تتحول في الفكر الجمعي للمحررين والمسؤولين فيها إلى عقيدة راسخة، تبرر لهم «تحليل» انتقائيتها وإقصائها لأي معلومات يقدمها خبراء لهم أبحاث أو يطرحون أسئلة قد تلقي بالشك على الرواية أو الإجماع المشترك (يعرف أيضاً في لغة الصحافة بالأرثوذوكسية السائدة) التي تمكنت من العقل الجمعي (وانتقلت إلى العقل الباطن للصحافيين) باعتبارها «الخير»، فيصبح بالضرورة كل ما يناقضها أو يشكك في صحتها «الشر»؛ ومن ثم تبرر ذهنية «تحليل» رواية الخير عملية «تحريم» بث أو تضمن معلومات «الشر».

أقدم وأشهر مؤسسة إذاعة وبث مرئي، وتطورت إلى دار صحافة كبرى بمواقعها على الإنترنت، هي الـ«بي بي سي»، دخلت في دوامة خلاف حول حرية المعلومات مع أكثر من جهة بعد تسرب مراسلات عن محضر اجتماع (ترفض نشر نصه) قبل عقد يوجه الصحافيين ومحرري النشرات إلى ما يشبه الإيمان العقائدي بخوض حملة «التسخين الحراري» أو «التغير المناخي» بالتركيز على دور الإنسان، والتقليل (الذي تطور إلى تجاهل) العوامل الأخرى الطبيعية في معظمها، التي كانت وراء التغير المناخي لكوكب الأرض منذ ملايين السنين. بل إن الهيئة العريقة وصحف اليسار تسمي أي علماء أو باحثين ينشرون نتائج تلقي بالشك على ادعاء مسؤولية النشاط الإنساني وحده عن التسخين الحراري بأنهم «ناكرين لوجود الظاهرة»؛ وهو تعبير من العصور الوسطى الكهنوتية بقصد شيطنة ما يروجون «لإنكار وجود»، ما عدَّه المجتمع مقدساً، لتبرير إقصائهم «وتحريم» مساهمتهم في الرسالة الموجهة إلى الرأي العام.

أحد أهم القضايا التي تتناولها صحافة بريطانيا اليوم هي فرض عمدة لندن ضريبة تساوي 16 دولاراً إضافية يومياً على سائقي سيارات يزيد عمرها علي سبع سنوات، في ضواحي العاصمة، رغم رفض أغلبية السكان، ومعارضة زعامة حزب العمال الذي ينتمي إليه العمدة. العمدة يسمي الإتاوة «رسوم الهواء النظيف» وباستثناء شبكات أقلية من المشاهدين مثل «جي بي نيوز» مثلاً، فتغطية المؤسسات الصحافية الكبرى كـ«بي بي سي»، و«سكاي»، والصحف الليبرالية، تتجاهل ما تسرب عن محاولة مكتب عمدة لندن الضغط على جامعة إمبريال كوليدج العريقة لتغيير نتائج بحث أجرته بتكليف وتمويل العمدة نفسه، اتضح منه أن «رسوم الهواء النظيف»، التي فرضها عمدة لندن السابق بوريس جونسون في وسط المدينة لم يكن لها أثر يذكر في تنقية الهواء. وربما تمركز مفهوم تحريم ما يناقض إيمانهم «بالخير» يمنعهم، لا شعورياً، من طرح أسئلة يرددها الناس العاديون: كالمكسب المادي من تحصيل الرسوم؛ أو التسمية المضللة، «منطقة الهواء النظيف»، فالقادر مادياً يمكنه إدارة محرك يلوث الهواء بلا انقطاع.

الخطورة أنه مع تزايد اعتماد صناعة الصحافة على الذكاء الاصطناعي قد تتسلل مفاهيم «التحليل» و«التحريم» السائدة اليوم إلى نظام برمجة بمثابة دستور مقدس لا يمكن لصحافة المستقبل الخروج عن نصوصه.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مخاطبة الرأي العام مخاطبة الرأي العام



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab