الإعلام البديل والحرب الثقافية

الإعلام البديل والحرب الثقافية

الإعلام البديل والحرب الثقافية

 العرب اليوم -

الإعلام البديل والحرب الثقافية

بقلم - عادل درويش

تطور التكنولوجيا الإلكترونية مع أبحاث الفضاء والأقمار الاصطناعية، منح المشاهدين والمستمعين حول العالم خيارات غير مسبوقة لمتابعة الأحداث باستمرار.

ولقد رحب المفكرون الإصلاحيون والمدافعون عن حرية الاختيار والتعبير بالتطور، فلم يعد بث الأخبار حكراً على تلفزيون الدولة (في حالة بلدان قرائنا)، أو المؤسسات الضخمة وميزانياتها بالمليارات في أوروبا وأميركا، فالتكنولوجيا خفضت التكلفة كثيراً، سواء في أجهزة الإنتاج والبث، أو الاستقبال (في بريطانيا إحصائية بين الشياب 18 - 25 سنة، وجدت أن نسبة مشاهدة الأخبار على أجهزة التلفزيون انخفضت إلى الثلث في أربع سنوات، بينما ارتفعت أربعة أضعاف على الأجهزة المحمولة والتليفون الذكي في الفترة نفسها).

ولكن تحول البث إلى سلعة تجارية، كحال الصحافة المطبوعة، أخضعها لقوانين السوق، فالمشاهد، كالقارئ، مستهلك للسلعة.

هناك بلدان تدعم البث، وأخرى تقدمه مجاناً في تلفزيون الدولة (مع التزام بسياسة الحكومة الحالية، يتفاوت من بلد لآخر).

بريطانيا مثلاً لا يوجد بها تلفزيون أو إذاعة مملوكة للدولة، وإنما الدعم غير المباشر (في حالة القناة الرابعة مثلاً، والتي تتلقى دعماً من الاتحاد الأوروبي أيضاً)، والحالة الخاصة لـ«بي بي سي» (هيئة الإذاعة البريطانية) التي تلزم قوانين البلاد كل بيت بدفع «رخصة استقبال البث التلفزيوني» (169.5جنيه إسترليني سنوياً).

ما نعنيه بقوانين السوق والمنافسة هنا هو التطور الذي أدى إلى مسح الابتسامة من على شفاه المتفائلين قبل سنوات بأن تقدم التكنولوجيا وتعدد الخيارات أمام المشاهد سيقويان الديمقراطية، ويدعمان حرية التعبير. فماذا حدث للخدمات التلفزيونية البديلة التي ظهرت في الثمانينات (كخدمة سكاي أو القناة الرابعة)، ورحب بها المتفائلون بوصفها خياراً مختلفاً عن تلفزيون المؤسسة establishment. وكان وقتها تلفزيون «بي بي سي» الممول عن طريق الرخصة، والتلفزيون المستقل ITV واعتمد تمويله على الإعلانات، ودعم الذين حاربوا البث الجديد بشتى الوسائل، خاصة في الصحافة اليسارية واتهامات بأن التلفزيون الجديد سيخفض من المستوى، ووصفوا برامجه بالإسفاف.

المفارقة أن اليوم أشبه بالبارحة، بعد أن أصبحت التلفزيونات «الشابة» في الثمانينات، جزءاً من المؤسسة العجوز التي ترفض مشاركة الوافد الجديد بنصيب من كعكة المشاهدين. الفارق ليس فقط زمنياً بأربعة عقود، فهناك عوامل أخرى، كاقتصاديات السوق الاستهلاكية، والأخطر، الحرب الثقافية كظاهرة «سياجتماعية» في مجتمعات الديمقراطية الليبرالية التعددية. القنوات الإخبارية على منصات مستقلة مثل «يوتيوب» أو «تيك توك»، تستخدمها الصحف الكبرى كـ«التايمز» و«التلغراف»، وهي مطمئنة اقتصادياً، لكن تلفزيوناً جديداً نسبياً (أقل من أربع سنوات) «جي بي نيوز» يواجه حرباً من المؤسسة، في شكل ضغطها غير المباشر على وكالات الإعلان؛ كي لا تدعم المحطة.

والضغط الاقتصادي ليس السلاح الوحيد في الحرب الثقافية ذات البعد السياسي؛ فالأصوات ترتفع علناً ومباشرة على برامج «بي بي سي» نفسها، ومن المحرر السياسي لـ«سكاي» ومن نجوم «بي بي سي» يطالبون ofCom (مكتب تراخيص ومتابعة البث والاتصالات) بسحب ترخيص البث من المحطة بحجة الانحياز لليمين. خدمة «جي بي نيوز» وجدت في السوق فجوة أو فراغاً صحافياً، يتمثل في الأغلبية الصامتة في الشمال ووسط إنجلترا، مثل الدوائر الانتخابية التي صوتت للبريكست، وانتُخبت المحافظون عام 2019 بأغلبية كبيرة.

الشبكات التقليدية أو «المؤسسة» تسيطر عليها النخبة الليبرالية اليسارية من الطبقة الميسورة، وحتى شبكة «سكاي» أصبحت مثل «بي بي سي» في انتقائيتها بالتركيز على قضايا قد تبدو «تقدمية» من الناحية الآيديولوجية للنخبة اليسارية اللندنية، قضايا كالتساهل مع الهجرة غير الشرعية، والصوابية السياسية، وضرائب البيئة الخضراء، وهي ليست فقط بعيدة جداً عن هموم الأغلبية الصامتة من الطبقات الشعبية الفقيرة، لكنها أضرت وتضر بمستوى معيشة واقتصاديات الطبقات الأقل حظاً في المجتمع. وبجانب أن صوت الطبقات الفقيرة غير مسموع (لا تسمح الشبكات الكبرى ببث وجهات نظر ومعلومات تناقض ما أقنعت الصفوة الليبرالية الرأي العام به)، فإن المحللين ونجوم الشباك فقدوا ثقة قطاعات كبيرة من الأغلبية الصامتة؛ إذ يكررون وصف الناخبين الذين صوتوا لبريكست مثلاً، أو الذين يحتجون على الضرائب البيئية، أو تدفق المهاجرين غير الشرعيين بصفات سلبية كالعنصرية، والانعزالية. هذا الجمهور يشكل اليوم ثلثي مشاهدي «جي بي نيوز»، ونايجل فاراج، أحد أهم قادة حركة «بريكست»، يقدم برنامجاً سياسياً مسائياً أربعة أيام في الأسبوع.

شكوى المؤسسة الإعلامية ومطالب الحركة اليسارية بسحب ترخيص المحطة ترتكزان على تكليفها اثنين من النواب المحافظين بتقديم برامج. وكانت «سكاي» سبقت «جي بي نيوز» بتكليف اثنين من البرلمانيين بتقديم برنامج سياسي قبل ثلاثة عقود، ولم يثر أحد اعتراضاً، بعكس اليوم، فمقالات في «الغارديان» و«الفايننشيال تايمز» و«الإيكونوميست» تطالب بسحب ترخيص المحطة. وأغلب الظن أن الدافع الحقيقي لشبكات وصحافة المؤسسة أن وجود شبكة «جي بي نيوز»، يهدد مصالحهم في مرحلة ما بعد الهزيمة الكبيرة المتوقعة للمحافظين في الانتخابات المقبلة. فالناخب لا يرغب في انتخاب العمال (فليس لهم سياسة واضحة لمواجهة معظم المشاكل) بقدر ما يريد التخلص من المحافظين. ويمكن أن تتحول شبكة «جي بي نيوز» إلى منصة لتجمع قوى يمين الوسط وبقايا المحافظين في حزب بديل تخشاه المؤسسة الليبرالية المهيمنة.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإعلام البديل والحرب الثقافية الإعلام البديل والحرب الثقافية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض
 العرب اليوم - الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab