بريطانيا غزاة بيت رئيس الحكومة

بريطانيا... غزاة بيت رئيس الحكومة

بريطانيا... غزاة بيت رئيس الحكومة

 العرب اليوم -

بريطانيا غزاة بيت رئيس الحكومة

بقلم: عادل درويش

من، وما، الذي يمنح نشطاء قضية، أو دعوة، الحق في تبرير انتهاك القوانين، وخصوصية الناس، وتجاهل قواعد السلوك الإنساني (المعروف اجتماعيا «بالإتيكيت») بحجة أن «الغاية تبرر الوسيلة»، ومن صاحب الحق في هذا التبرير؟

المنصات الصحافية، ووسائل التعبير الجماهيري البريطانية منقسمة حول الأسئلة عقب غزو جماعة غرين بيس (السلام الأخضر) البيت الخاص بأسرة رئيس الوزراء ريشي سوناك، في دائرته الانتخابية في مقاطعة يوركشير (400 كيلومتر شمال غربي لندن) يوم الخميس، في أثناء غياب سوناك وأسرته (في أول إجازة للأسرة في أربع سنوات) احتل النشطاء الدار وغطوا واجهة البيت بقماش أسود، احتجاجا على إصدار الحكومة تصاريح التنقيب عن الغاز والبترول في بحر الشمال.

ولنتجاوز مسألة الأمن القومي كتقصير البوليس في حراسة دار رئيس الحكومة، لنركز على الانقسام في التغطية الصحافية للحادث، بحثا عن إجابة عن أسئلتنا. فالانقسام لا ينفصل عن الحرب الثقافية التي تدور رحاها على صفحات الجرائد وعبر موجات الأثير الإذاعي والتلفزيوني وعلى منصات التواصل الاجتماعي.

شبكات البث الكبرى المعروفة بالإنجليزية بـMainstreammedia كبي بي سي، وسكاي، وآي تي إن، وسي إن إن، التي تستحوذ على أكثر من 85 في المائة من المشاهدين، في تغطيتها للحدث لم تكن محايدة في إشاراتها الضمنية، إذ أغرقت المشاهدين بتسونامي من صور حرائق الغابات في حوض المتوسط، وتعليقات المنتفعين من ترويج الطاقة الخضراء، بوصفها «أدلة» على نظرية مسؤولية الإنسان عن تغير المناخ، وتجاهلت رد فعل المشاهدين. فقط اثنتان من الشبكات الصغيرة كـ«جي بي نيوز»، و«توك تي في» استطلعتا رد فعل المشاهدين معبرين عن استيائهم من غرين بيس، كما بينت تغطيتاهما ازدواجية معايير جماعات الاحتجاج بزيارة كاميرا جي بي نيوز للمكاتب الفخمة لغرين بيس في شمال لندن. الجماعة أسسها في 1971 اثنان من الأميركيين نقلا نشاطهما الذي بدأ في 1969 إلى إنجلترا. أعضاؤها، كبقية حركات الاحتجاج البيئية، من أبناء الشرائح الاجتماعية العليا والطبقات الميسورة وخريجي الجامعات الراقية. الصحافة المطبوعة أكثر تعبيرا عن الرأي العام، لأن القراء يدفعون ثمنها اختياريا. افتتاحيات وتغطية الصحف الأعلى توزيعا وهي الأكثر شعبية (بجانب التلغراف والتايمز) كانت أكثر دقة وعمقا في التحليل، من صحافة اليسار (والفيننشيال تايمز) المنحازة لجماعات الاحتجاج.

اليسار وجماعات البيئة تتهم الحكومة (خطأ) بالتراجع عن سياسة التوصل لتوازن الصفر في عوادم المحروقات، بعد اكتشاف سوناك أن الأغلبية الصامتة في بريطانيا، رغم دعمها لسياسة تقليل الاعتماد على المحروقات والاتجاه للطاقة الخضراء، فإنها ضاقت ذرعا من تحميل الطبقات الفقيرة الأعباء المالية.

إعادة تفكير سوناك وحكومته في السياسات البيئة سببها ثلاثة انتخابات فرعية تمت قبل ثلاثة أسابيع، في دوائر كانت لنواب الحكومة المحافظين، وأشارت استطلاعات الرأي كلها إلى هزيمة ساحقة للمحافظين. اثنتان خسرهما المحافظون (واحدة للعمال وأخرى للديمقراطيين الأحرار)، والثالثة، كانت دائرة رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون (2019 - 2022)، فاز فيها مرشح المحافظين بخلاف التوقعات لأن الناخبين عبروا عن رفضهم سياسة عمدة لندن العمالي بفرض رسم إضافي (16 دولارا) يسميه «رسم الهواء النظيف» على السيارات القديمة.

النتائج أقنعت زعامة المحافظين بأن الناخب العادي يفكر بأسلوب أكثر منطقية وتوازنا اقتصاديا، مما تدعيه النخبة المسيطرة على منصات صناعة الرأي العام، التي تخفي حقائق وأرقاما كثيرة، لو عرف أغلبية الناخبين بتفاصيلها، لتراجعت نسبة التأييد لجماعات الاحتجاج البيئي... فحاجة بريطانيا من الطاقة تعني أن عدم منح ترخيصات استخراج الغاز والبترول من المياه البريطانية سيضطرها لاستيراده من على بعد آلاف الأميال، وهو ما يتطلب طاقة إضافية ومحروقات لتشغيل الناقلات وأجهزة موانئ التصدير والاستيراد، وإضافة غازات ملوثة للبيئة، أي أن الاحتجاجات هنا، ليست عن التقليل من عوادم المحروقات بقدر ما هي استهداف الصناعة البريطانية نفسها وإلحاق الأضرار السياسية بحكومة سوناك.

وهنا نعود إلى السؤال، عندما يقنع الصحافيون المسؤولون عن صياغة الرأي العام أنفسهم بآيديولوجية أو هدف لتحقيقيه، ويرفعونه إلى مقام العقيدة المقدسة (وصفها الوزير مايكل غوف بما يمكن ترجمته إلى «حملة جهاد مقدس»)، يصبح الشك أو التأكد من صدق المعلومات أو التحقيق في مصدرها من المحرمات في لاوعي الصحافي، ولم يحدث قط أن طرحت الأسئلة حول التكلفة الحقيقية المادية للناخب بالتحول من الاعتماد على المحروقات إلى الطاقة الخضراء. وهنا تختفي الحيادية فتضيف التغطية الصحافية للاحتجاجات البيئية هالة من الرومانسية القدسية على نشاط «المجاهدين» البيئيين، سواء أكانوا أطفالا «يزوغون» من المدارس احتجاجا على المحروقات، أو مراهقة لم تدرس من العلم شيئا تتحول إلى «جان دارك البيئة»، ومن يقبضُ عليهم بجريمة اقتحام منزل يصبحون شهداء معنويين، كغرين بيس. النشطاء من أبناء الطبقات المرفهة الميسرة التي لم تعان الفقر أو متاعب الحياة اليومية في عزلتهم الفكرية عن واقع الشعب (الذي يحتقرونه بخلفيتهم الطبقية)، يصدقون وهما خلقته صناعة الرأي العام، غير المستنيرة، بأنهم أصحاب رسالة تاريخية تضعهم فوق القانون.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا غزاة بيت رئيس الحكومة بريطانيا غزاة بيت رئيس الحكومة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض
 العرب اليوم - الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab