الحقد الطبقي وحقد الأجيال

الحقد الطبقي وحقد الأجيال

الحقد الطبقي وحقد الأجيال

 العرب اليوم -

الحقد الطبقي وحقد الأجيال

بقلم: عادل درويش

 

تناولنا من قبل ظاهرة الاستقطاب في الرأي العام والمؤسسات الأكاديمية والثقافية ووسائل التعبير في الديمقراطيات الغربية (وخاصة بريطانيا وأوروبا)، التي بدأت تظهر أيضاً بكثرة في بلدان قراء صحيفة «الشرق الأوسط» الغراء، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بجانب الوسائل الصحافية والعامة التقليدية باللغة العربية، وكنا أشرنا إلى الظاهرة «بالحرب الثقافية».

التعبير ظهر في عشرينات القرن الماضي مع الصدام الفكري بتبادل المناظرات الحادة بين التقليديين بأفكارهم المحافظة، والتحديثيين والليبراليين المنادين بتطوير المجتمع والأنماط الاقتصادية نحو الأفضل. وكانت المصادمات اتخذت طابع العنف في بلدان الثورات الشيوعية، كالصين بالثورة الثقافية للقضاء على الثقافة المخالفة للديكتاتورية الحاكمة وتصفية الخصوم الفكريين جسدياً. ما حدث في الصين، هو ما يثير القلق اليوم، لأن تعريف «الحرب الثقافية» تطور منذ ظهوره الأول قبل مائة عام لينعكس إلى مائة وثمانين درجة في القرن الواحد والعشرين، بعد تحول القوى التي عُرفت تقليدياً «بالتقدمية»، وهي اليسار والليبراليون، إلى كتائب «الرجعية»، التي تلغي الرأي الآخر، و«اللامنبرة» في قاعات المحاضرات والحرم الجامعي، والإذاعة والصحافة، التي يسيطر عليها الجناح الليبرالي، بمنع أي رأي مخالف للأرثوذوكسية المسيطرة على الرأي العام، خاصة في مجالات ادعاء مسؤولية العالم الغربي فقط عن التسخين الحراري وقضايا كالإجهاض ودعم الحركات الراديكالية.

أعود لتناول الموضوع، ولكن من منظور جديد، لسببين، أولهما لانتشار الظاهرة بقوة في بلدان منطقة قرائنا الأعزاء، حيث تسيطر الأصوات العالية على هوس جماعي يخرس الأقلية من الأصوات العاقلة الداعية للسلام والساعية للتهدئة، وعدم تحويل الصراع السياسي المسلح إلى كراهية الآخر، وتطويره إلى صراعات دينية وطائفية وعرقية. وثانيها أن هذه الحرب الثقافية، بدأت تتحول، هنا في بريطانيا (وعدد من بلدان أوروبا) إلى حرب أجيال أو صراع أجيال، بعد استهداف مؤسسات صناعة الرأي العام اليسارية الليبرالية المسنين والمتقاعدين (أصحاب المعاشات)، وادعاء أن كبار السن تسببوا في ازدحام مستشفيات الخدمة الصحية العامة بسبب أمراض الشيخوخة، وأيضاً تلفيق تهمة مسؤولية المسنين عن أزمة الإسكان، بتضخيم قيمة عقارتهم، وهي في الحقيقة مساكنهم التي اشتروها بالتقسيط قبل عقود، فازدادت قيمتها بارتفاع معدلات التضخم. لكن التقييم مزيف لاستحالة تحويلها من أصول ثابتة إلى نقدية سائلة تساعدهم على رفع مستوى معيشتهم. ولا تزال الدعوات تتصاعد لفرض ضرائب عالية علي قيمة العقارات، وليس على الدخل، رغم أن كبار السن ليس لديهم دخل آخر غير المعاش المحدود، وبالتالي لن يكون بقدرتهم دفع هذه الضرائب، أي سياسة تسعى لإجبارهم على ترك مساكن بعضهم عاش فيها لسبعة أو ثمانية عقود، وإخراجهم منها سيكون مثل إخراج سمكة من الماء.

سن التقاعد في بريطانيا هو ستة وستون عاماً، ويبلغ عدد المتقاعدين فيها الذين يتلقون المعاش هذا العام 12.6235.000 (حوالي ربع عدد السكان).

أحدث هجمات قوى اليسار الليبرالي على جيل المتقاعدين واستفزازها الجيل الأصغر لمزيد من «حقد الأجيال» (كتطور للحقد الطبقي) هو استهداف المعاش البسيط الذي يعيش عليه الشخص المتقاعد.

هذه التيارات تحتج على سياسة قديمة وهي ربط الزيادة السنوية في المعاش بنسبة تعكس غلاء المعيشة، وهي نسبة أقل من معدلات التضخم، لأن تحديد النسبة يسبق بداية السنة المالية، أبريل (نيسان) من كل عام بحوالي ثمانية أشهر، (أي عند إعلان الميزانية). سبب غضبهم أن الزيادة في المعاشات أقل من العلاوات التي يحصل العاملون عليها، إذ ليس للأخيرة آلية ثابتة لزيادة الأجور، وإنما حسب إمكانية تفاوض اتحاداتهم المهنية مع أصحاب العمل، والغالبية ليس لها تمثيل أي «كل شخص وشطارته».

تقدير الميزانيات واقعي، وهو أن المتقاعد المسن نادراً ما يكون بقدرته زيادة دخله، في حين أن الشباب الأصغر سناً، لديهم القدرة على أعمال إضافية، لزيادة الدخل. إلى جانب أن المتقاعدين دفعوا الضرائب طوال حياتهم المهنية.

المتقاعد يتلقى معاشاً أسبوعياً يساوي 172 دولاراً، سيزيد (عشرة في المائة) إلى 190 دولاراً أسبوعياً. وللمقارنة مثلاً - ثمن قدح القهوة خمسة دولارات وثمن البيضة دولار والخبز دولاران.

وهناك أقلية من المتقاعدين، حوالي ثلاثة ملايين، يتقاضون حداً أعلى من المعاش دفعوا ضريبة المعاش (وهي إضافية غير ضريبة الدخل العادية) لأكثر من ثلاثين عاماً، يحصلون على المعاش «الممتاز» الحد الأقصى منه يساوي 224 دولاراً أسبوعياً، من المقرر أن يرتفع في السنة المالية القادمة إلى ما يساوي 247 دولاراً أسبوعياً.

أيضاً للمقارنة، حوالي 44 في المائة من الشعب لا يدفعون ضرائب لأن دخلهم أقل من الحد الأدنى لدفع الضرائب (12.275) جنيهاً إسترلينياً سنوياً أو مقابل 298 دولاراً أسبوعياً، ويعتبرون «فقراء» حسب مستوى متوسط الدخول في المملكة المتحدة وهو 34 ألف جنيه سنوياً (ما يساوى 654 دولاراً أسبوعياً) - أي أن المتقاعدين في بريطانيا دخلهم من المعاش، في مجمله أقل من دخل «الفقير» إحصائياً بما يساوي 126 دولاراً (بثلاثة وسبعين في المائة)، ورغم ذلك ترتفع الدعوات لإلغاء قاعدة الزيادة السنوية لغلاء المعيشة للمتقاعدين بدافع حقد الأجيال.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحقد الطبقي وحقد الأجيال الحقد الطبقي وحقد الأجيال



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 16:16 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل
 العرب اليوم - ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد

GMT 18:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

هوكستين يؤكد أن الجيش الإسرائيلي سيخرج بشكل كامل من لبنان

GMT 07:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

استئناف الرحلات من مطار دمشق الدولي بعد إعادة تأهيله

GMT 10:04 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

البيت الأبيض يكتسى بالثلوج و5 ولايات أمريكية تعلن الطوارئ

GMT 08:21 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم

GMT 06:39 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يضرب التبت في الصين ويتسبب بمصرع 53 شخصًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab