«العمال البريطاني» بآيديولوجية «المحافظين»

«العمال البريطاني» بآيديولوجية «المحافظين»

«العمال البريطاني» بآيديولوجية «المحافظين»

 العرب اليوم -

«العمال البريطاني» بآيديولوجية «المحافظين»

بقلم: عادل درويش

«إللي حضّر العفريت يصرفه»، قول شعبي في مصر يعني أن العلاج الملائم لظاهرة يكون بيد من خلقها؛ تذكرته لمضي الزعيم البريطاني السير كير ستارمر في اتخاذ سياسات غريبة عن آيديولوجية «العمال»، بل ومعاكسة لمفاهيم الاتجاه الاشتراكي التقليدي للحزب. الطريف أن المعلقين على منصات السلطة الرابعة بكافة أشكالها يصفونها بسياسات حزب المحافظين الذي تحرك بدوره يساراً نحو المنتصف الليبرالي؛ وهو ربما أحد أهم الأسباب التي أدت إلى خسارته الكارثية في انتخابات الصيف الماضي.

ستارمر صعد نجمه، لا شعبيته داخلياً، خصوصاً مع تردي الاقتصاد وزيادة الضرائب وانخفاض مستوى المعيشة والقدرة الشرائية للمواطن وتدهور الخدمات، بسبب تطور أحداث خارجية، كنجاح زيارته للبيت الأبيض، ودعوته لمؤتمر زعماء عالميين لدعم أوكرانيا والدفاع عن أوروبا التي بدأ يلعب دور الوساطة بينها وبين الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يصعب على كثير من رؤساء الحكومات التعامل معه.

استغل الزعيم العمالي التقارير الصحافية التي جاءت غير سلبية للمرة الأولى منذ ترؤسه الحكومة، ليجد زر الشجاعة في لوحة القيادة، فيمضي مسرعاً ليدهس أكثر من بقرة مقدسة لدى ناخبي «العمال»، والوجدان الشعبي كله.

سياسات وصفها جون مكدونل، وزير مالية الظل السابق، ومن زعامات الحزب القوية، بأنها تجعل الحكومة «لا تبدو عمالية»، فكلها سياسات وإجراءات كان المحافظون يريدون اتخاذها لدعم الأعمال والاستثمارات والنمو الاقتصادي وإنقاذ خدمات مثل الصحة العامة والضمان الاجتماعي من التدهور، لكنهم لم يجرؤوا على اتخاذ أي منها طوال 14 عاماً من حكمهم (خمسة منها ائتلاف مع «الديمقراطيين الأحرار»).

ستارمر فجَّر مفاجأة بإعلانه حل الهيئة العمومية للخدمات الصحية في إنجلترا التي تشرف وتدير المستشفيات (704 في إنجلترا تمثل 76 في المائة من كل مستشفيات بريطانيا) والمستوصفات والصيدليات والعيادات بميزانية 190 مليار جنيه. الهيئة التي أسستها في 2013 حكومة ائتلاف «المحافظين» و«الديمقراطيين الأحرار» بزعامة ديفيد كاميرون لتكون مستقلةً عن سياسات الحكومات التي تتغير بالانتخابات. ومع هيئتين مماثلتين في إمارة ويلز وأسكوتلندا يمثل الثلاث الخدمة القومية للصحة التي أسستها الحكومة العمالية بزعامة كليمنت أتلي في 1948، بتأميم المستشفيات الخاصة وضمها في إدارة عامة موحدة؛ الـ«NHS» (الأحرف الأولى من خدمة الصحة القومية) التي عالجت قرابة تسعة ملايين في العام الماضي، وأصبحت من مكونات القومية البريطانية المعاصرة، ولها في وجدان الشعب البريطاني قدسية في مصاف العقيدة لدى الشعوب المتدينة. خطوة ستارمر صدمت الرأي العام، بينما رحب بها دعاة تقليص البيروقراطية، فستوفر 500 مليون جنيه سنوياً، وتوفر نصف الوظائف فيها (18600 وظيفة كلها مكتبية) بنقل مهماتها إلى وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، وتوجيه التوفير إلى ميزانية الأخصائيين الطبيين والممرضات. الهيئة وُصفت بأنها «أضخم كوانغو في العالم»، وتحوّلت إلى «وحش بيروقراطي باهظ التكاليف»؛ و«Quando» هي الأحرف الأولى من تسمية «منظمة غير حكومية شبه مستقلة»، كهيئات لها صلاحيات كانت من اختصاص وزارات الحكومة المنتخبة. حكومة ستارمر تعد بأنها ستلغي الكثير من هيئات «الكوانغو» التي تكلف دافع الضرائب 124 مليار جنيه بعد ارتفاع ميزانيتها بقرابة 60 في المائة خلال ثلاث سنوات. لكن 25 هيئة «كوانغو» جديدة تأسست منذ تولي «العمال» الحكم قبل ثمانية أشهر.

ستارمر أعلن أيضاً عزمه تقليص جهاز الدولة الوظيفي مما سيُدخله في صدام مع النقابات العمالية التي تموّل حزب العمال من اشتراكات أعضائها، بجانب احتمال تمرد كثيرين من نواب الحزب من التيار اليساري، خصوصاً بسبب تخفيض ميزانية إعانة البطالة والرعاية الاجتماعية، والتضييق على مستحقيها، بما فيهم بعض المعوَّقين.

لكن لماذا أقدم «العمال» على إصلاحات من طبيعة تفكير «المحافظين»، ولم ينفذوها لأن الرأي العام لديه الانطباع (الخاطئ بسبب المؤسسات الإعلامية) بأن «المحافظين» هو حزب الأغنياء والمستثمرين الذين يريدون خصخصة خدمة الصحة القومية والقطاع العام.

وبعكس «المحافظين»، فإن ستارمر يتزعم الحزب الذي «حضّر عفاريت الاشتراكية» كالخدمات الاجتماعية ومؤسسات القطاع العام وخدمة الصحة القومية، لكنها «عفاريت» ذات اعتبار وتقدير كبيرين بين القاعدة التقليدية لناخبي «العمال». لكن ستارمر يعتمد على كثرة نوابه (404) لتغلب شجاعة قلة من النواب اليساريين، خصوصاً بعد بداية غير موفقة في الأشهر الأولى لحكومته، بسياسات كإلغاء معونة البرد الشتوية للمتقاعدين، وإلغاء الإعفاءات الضريبية على مصروفات المدارس الخاصة، وفرض ضرائب على المزارع أنهت شعبية «العمال» في معظم أنحاء الريف.

arabstoday

GMT 01:55 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

الحمد لله على سلامتك من الإكوادور

GMT 01:48 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

الدروز بين الشرع وإسرائيل

GMT 01:44 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

عبير الكتب: حمزة وأكاذيب عِشنا بها

GMT 01:40 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

... عن «المشرق العربي» و«العالم» وإسرائيل

GMT 01:36 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

سوريا الجديدة رهن التفاهمات والاختراقات

GMT 01:33 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

ماذا بعد انطلاق قطار السلام من جدّة؟

GMT 01:29 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

مَحَبَّة

GMT 01:19 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

بحريني يحب الإسكندرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«العمال البريطاني» بآيديولوجية «المحافظين» «العمال البريطاني» بآيديولوجية «المحافظين»



إطلالات هدى المفتي تجمع بين الأناقة العصرية والبساطة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:17 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

مفاهيم خاطئة شائعة حول ديكور المنزل
 العرب اليوم - مفاهيم خاطئة شائعة حول ديكور المنزل

GMT 13:37 2025 الجمعة ,14 آذار/ مارس

امتحان داخلي وعربي ودولي للبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab