الدراما والديمقراطية والقانون

الدراما والديمقراطية والقانون

الدراما والديمقراطية والقانون

 العرب اليوم -

الدراما والديمقراطية والقانون

بقلم - عادل درويش

تمثيلية تلفزيونية أثارت الرأي العام البريطاني، لدرجة إدراج القضية المعالجة درامياً على جدول أعمال مجلس العموم لاستصدار قانون خاص بها.

الدراما التسجيلية تحكي قصة ظلم أوقعته مصلحة البريد بسبعمائة أسرة لما يزيد عن عشرة أعوام. ورغم إثارة الصحافيين الأمرَ عدة مرات وبدء لجنة قضائية تحقيقاً مستمراً منذ 2021، فإن المؤسسة السياسية لم تتحرك لاتخاذ إجراءات فعلية إلا بعد غضب الرأي العام بفضل مسلسل «المستر بيتس يصارع مصلحة البريد» في شبكة التلفزيون المستقل «آي تي في».

بات المستر بيتس في نظر الناس «داود يصارع العملاق جالوت» (في الرواية التوراتية)، فأطلقوا حملة تناشد الملك منحه لقب «فارس».

لكن المستر بيتس رفض التكريم الملكي لأن بولا فينيللز، المديرة السابقة للبريد، تحمل اللقب «ديم» المقابل النسائي لفارس، فتنازلت عن اللقب استجابة لمطلب الجماهير البريطانية.

الآن بيتس (69 عاماً)، كون مجموعة من وكلاء مكاتب البريد مطالبين بالعدالة، بعد اتهامه بالاختلاس، وبعضهم عوقب بالحبس، وبعضهم انتحر أو مات حزناً، ومعظمهم أفلس تماماً، واتضح أنهم أبرياء.

مكاتب مصلحة البريد البريطانية التي تتعامل مع الجمهور تنقسم، تقليدياً إلى مجموعتين. الأولى ما تعرف بمكاتب بريد التاج (لأن بها ختم التاج للتصديق على المستندات الرسمية)، وتتبع المصلحة مباشرة كفروع لها. القسم الآخر الأكبر بمكاتب تعد بالآلاف بالتعاقد مع «وكلاء» يديرون محلات عامة، كالسوبر ماركت، أو الصيدليات، أو بقالة في الأحياء والمناطق النائية والقرى قليلة الكثافة السكانية، ويكون المكتب جزءاً في جانب من المحل. هذه المكاتب في القرى الصغيرة في غاية الأهمية لأنها تقدم خدمات كثيرة، بجانب التجارة والوكلاء، فهي جزء من المجتمع الصغير.

اتهام إدارة البريد للوكلاء بالاختلاس كان في الفترة ما بين 1991 و2015، لكن اتضح أن المسؤول ليس الوكلاء، بل برنامج الكمبيوتر «هورايزون» (الأفق)، الذي صممته شركة يابانية تعاقدت مع عدد من الوزارات والمصالح الحكومية.

مجلة «كومبيوتر ويكلي» كشفت في 2009 أن لوغاريتمات (المعادلات الحسابية للتشغيل) برنامج «هورايزون» فيها خطأ أدى إلى مبالغ ناقصة وهمية، وليست حقيقية. وفوراً كون بيتس مع المتضررين «مجموعة وكلاء البريد من أجل العدالة»، وبسبب ضغوط من نواب البرلمان استدعت مصلحة البريد شركة متخصصة في اختبار برامج التشغيل فأكدت في 2102 أن هناك خطأً في لوغاريتمات «هورايزون»؛ ورغم ذلك استمرت إدارة البريد في اتهاماتها، واستمر محاموها في اقتياد المزيد من وكلاء مكاتب البريد إلى المحاكمات، وخسر كثيرهم كل ما يملك.

غالبية النواب يريدون صياغة مشروع قانون بإسقاط كل التهم عن وكلاء البريد، ودفع تعويضات لهم، وهو أقل ما يمكن تقديمه في إطار العدالة لرفع الظلم عنهم.

لكن الأمر ليس سهلاً، قانونياً، واجتماعياً، وإنسانياً، ناهيك من الإجراءات البرلمانية الملازمة. فتهمة «الاختلاس» ستظل معلقة حول رقبة كل من أدين بحكم قضائي كوصمة كعار. كثيرهم يريد إعادة مقاضاة مصلحة البريد ليغسل حكم القضاء العار الملتصق بهم.

الأمر الآخر أن القضاء والقوانين في أصل صدورها تتعامل مع الأفراد لا مجموعات من سبعمائة شخص كحملة المتضررين من مصلحة البريد لأن السوابق في القضايا الجماعية أتت بنتائج عكسية، وهو موضوع التمثيلية التلفزيونية.

ففي 2019 كسبت مجموعة المستر بيتس الحكم القضائي الجماعي ضد إدارة البريد، التي وافقت على دفع 56 مليون جنيه تعويضات، لكن مصاريف القضية وأتعاب المحاماة فاقت 47 مليون جنيه، فلم يبق سوى عشرين ألف جنيه لكل مشترك في المجموعة، مع الأخذ في الاعتبار أن الخسارة على مدى عشر سنوات تتراوح ما بين مائتين، وخمسمائة ألف جنيه للوكيل الذي فقد منزله.

أما نظر القضية كأفراد يقاضي كل منهم مصلحة البريد، فسيستغرق سنوات بجانب أتعاب المحاماة باهظة التكاليف، فمثلاً استغرقت قضية أحد الوكلاء بضع سنوات، وكان مبلغ «الاختلاس» نحو 25 ألف جنيه، لكن أتعاب المحاماة ومصاريف القضية تجاوزت 300 ألف جنيه، واضطر إلى بيع مسكنه والآن أصبح عاملاً يدوياً.

أما إصدار البرلمان قانوناً بعفو عام، فيسلتزم أولاً دراسة دقيقة لكل حالة فقد يكون بعضهم مختلساً بالفعل.

لكن المشكلة الأكبر التي غالباً ما ستصبح عائقاً لتحقيق العدالة لوكلاء البريد المظلومين ستكون دستورية من ناحية الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء.

البرلمان، كممثل للشعب هو أعلى سلطة في البلاد، ولديه صلاحية إلغاء الأحكام، (قانون عام 1701 وإضافة 1981)، لكنه لم يستخدمها، فالقوانين عادة لا تطبق بأثر رجعي في البلدان الديمقراطية. عدد من القضاة السابقين أعربوا عن عدم رضاهم، فقانون من البرلمان يتجاوز التقاليد الدستورية بالفصل بين السلطات قد يشكل سابقة، تلجأ إليها الحكومات في المستقبل لاستغلال أغلبيتها البرلمانية لشل يد القضاء، وربما لهذا السبب سيتعطل إصدار القانون عند عرضه على مجلس اللوردات المكتظ بقضاة بعضهم عاملون كمستشاري المحكمة السامية وكانت، منذ 1876 المجلس القضائي البرلماني، حتي استغل رئيس الوزراء وقتها توني بلير أغلبيته البرلمانية لتحويلها إلى محكمة مستقلة عن البرلمان في 2009 كجزء من تعديلات (أسماها كثيرون «تخريبات») دستورية.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدراما والديمقراطية والقانون الدراما والديمقراطية والقانون



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية
 العرب اليوم - التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab