شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

 العرب اليوم -

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

بقلم : عادل درويش

 

لو انحصرت مشكلة زميلة صحافية في نشاطها المهني لعنونت المقال بالكليشيه «مهنة المتاعب»، خاصة أن ضعف المعارضة، أمام أغلبية ساحقة للحكومة في نظام برلماني ديمقراطي كبريطانيا يضع الصحافة، بلا خطط مسبقة، في دور المعارضة ويحملها مهام محاسبة الحكومة والمسؤولين أمام الرأي العام خارج البرلمان.

فضلت اللجوء لتعبيرين من القرن العشرين: «الكابوس الكافكائي» - نسبة إلى الكاتب الألماني اللغة، النمساوي - تشيكي الجنسية فرانز كافكا (1883 - 1924)؛ والأورويلية - نسبة إلى الكاتب الإنجليزي جورج أورويل (1903 - 1950).

الكاتبان ربما الأديبان الوحيدان اللذان تحول اسم كل منهما إلى صفة تتبع موصوفاً للدلالة على موقف «سياجتماعي»، بأبعاد تتجاوز الحدود الآنية. ولسنوات طويلة يجادل النقاد - خاصة الأدبيين والمسرحيين – والمؤرخون المعاصرون عن ملاءمة أي من الصفتين للعمل أو الموقف المطروح للنقد.

أعمال كافكا تناولت قهر الفرد وظلمه تحت وطأة جهاز بيروقراطية عمياء، وأشهرها روايته «المحاكمة»، التي كتبها ما بين 1914 و1915 لكنها لم تنشر إلا في 1925 بعد وفاته. بطل الرواية يقبض عليه مؤقتاً، والمحقق نفسه لا يعرف التهمة أو مَنْ وجهها، ويخلى سبيله تحت إقامة جبرية انتظاراً لمحاكمة غامضة.

صحافية «الديلي تلغراف» أليسون بيرسون (سيدة فاضلة تجاوزت الستين، عملنا سوياً لما يزيد على 30 عاماً) تجد نفسها في كابوس كافكائي بدأ صباح الأحد الماضي بضابطي بوليس يقرعان باب بيتها وهي لا تزال بملابس النوم. أبلغاها أنها تتعرض للتحقيق فيما يعرف الآن بمخالفة «غير جنائية» تحت المادة 17 من قانون الأمن عام 1986 لأن تغريدتها على «إكس» (قبل اختفائها) منذ عام قد تثير كراهية عنصرية. الضابطان لم يفصحا عن محتوى التغريدة رغم إلحاح بيرسون، التي استفسرت عن الشاكي أو موجه الاتهام، لكن الضابط «صحح» زميلتنا، بجدية صارمة، قائلاً بأن التسمية هي Victim (في هذا السياق تعني الضحية أو المجني عليه). وهذا التصحيح بالغ الخطورة لأنه يضع الصحافية في موضع المعتدي، وأن البوليس هنا كجهاز أمن يفترض حياديته، قرر بالفعل من الجاني ومن المجني عليه - وهنا تتداخل الأورويلية مع الكافكائية.

رواية «1984» أشهر أعمال أورويل عن تحول البلاد إلى ديستوبيا يحكمها حزب واحد بمزاج واحد بعد تغيير اللغة والتعبيرات المألوفة إلى «الخطاب المستجد» وإعادة صياغة الكتب وتغيير الأعمال الفنية وتغيير أسماء الشوارع واستبدال التماثيل والرموز الوطنية وإعادة كتابة التاريخ.

جمعيات الصحافيين والكتاب، ورابطة حرية التعبير أشارت إلى أن العشرات من الصحافيين والكتاب، سجلت لهم مخالفات «غير جنائية» وبعضهم تعرض للتحقيق، لكن الأغلبية لم يعرفوا بوجود هذه العلامات السوداء (والتي تثير اتهامات كالعنصرية، أو الكراهية، أو الميسوجينية، أو إسلاموفوبيا، أو معاداة السامية ضدهم) ويكتشف بعضهم هذه الاتهامات بالصدفة أو عند التقدم لشغل مناصب جديدة قد تستدعي البحث في سجلات أمنية أو بوليسية. منها على سبيل المثال لا الحصر وظائف العمل مع أطفال كالتدريس والتمريض، أو العمل مع اللاجئين أو مع عرقيات متعددة.

أول من أمس (الجمعة) نشرت «التايمز»، تقريراً صادماً عن تعرض أطفال مدارس بعضهم في سن التاسعة للتحقيق من البوليس في مخالفات مشابهة لما تعرضت له بيرسون. طفل في التاسعة، مخالفته أنه وصف طفلاً آخر بـ«التخلف العقلي»، أو تلميذتان في الثالثة عشرة تعرضتا للتحقيق لأنهما شبهتا تلميذة أخرى «بالسمكة شكلاً ورائحة». هنا تنطبق الصفة «الأورويلية» على نشاط أحد أهم الأجهزة والهيئات في الحفاظ على الأمن في المجتمع، لأن شقاوة الأطفال أو استخدام التلاميذ لألفاظ غير لائقة كان التعامل معها دائماً بيد المعلمين والمعلمات - للتصحيح أو التوجيه أو التجاهل أحياناً، لكن الإرشادات الجديدة للمدارس والهيئات التعليمية تشترط «تسجيل وتدوين إهانات وأفعال بدافع الإيذاء أو تعتبر جريمة». التحقيق الذي حصلت «التايمز» على أرقامه وتفاصيله بطلب تحت قانون حرية المعلومات، كشف أنه في 12 شهراً فقط كان هناك 13200 حالة مخالفات «غير جنائية»، بما فيها المئات من أطفال المدارس، والغالبية من الصحافيين والكتاب أو من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.

المعلقون تساءلوا عن أولويات البوليس مع ارتفاع معدلات جرائم كالسرقة والعنف.

السكرتير الصحافي لرئيس الوزراء كير ستارمر، قال إن وزارة الداخلية ستقوم بمراجعة اللائحة المعنية بهذه القوانين لضمان حماية حرية التعبير، ومساعدة البوليس على تركيز الجهود فيما يفيد المجتمع.

arabstoday

GMT 08:52 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

تنصيب ترمب وعوالم التفوّق التكنولوجي

GMT 08:47 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أميركا... واستحقاقات العهد الذهبي

GMT 08:44 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

سنوات التغيير!

GMT 08:43 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ترامب ومصير العالم

GMT 08:40 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أدعو وزير السياحة

GMT 08:35 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

تنصيب رئيس

GMT 08:26 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أفلح إن صدق

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

اعترافات ومراجعات (91).. أصدقاء عن بُعد.. ماهر سرحان نموذجًا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 16:11 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"
 العرب اليوم - أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"

GMT 11:30 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 05:22 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

تحالفاتُ متحركة

GMT 05:57 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

هل سيكفّ الحوثي عن تهديد الملاحة؟

GMT 04:01 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 6 درجات يضرب تايوان ويخلف 15 مصابا

GMT 13:20 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

كريم عبد العزيز يتّخذ قراره الأول في العام الجديد

GMT 13:09 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

بعد 22 عاما محمد سعد يكشف سرّاً عن فيلم "اللي بالي بالك"

GMT 13:16 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

محمد منير يواصل التحضير لأعماله الفنية في أحدث ظهور له

GMT 08:47 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

جائزة هنا.. وخسارة هناك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab