الفيلسوف والحرية الأكاديمية

الفيلسوف والحرية الأكاديمية

الفيلسوف والحرية الأكاديمية

 العرب اليوم -

الفيلسوف والحرية الأكاديمية

بقلم - عادل درويش

عارف محيي الدين أحمد، الذي منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب «سير» في 2021 لإنجازاته في التعليم والمعرفة، كان مجهولاً للكثيرين حتى ظهوره في استوديوهات الإذاعات في الأيام الأخيرة. الصحافيون يسألون الفيلسوف دارس الرياضيات والفلسفة في جامعة أكسفورد، والمحاضر في كمبردج، التعليق على ما حدث بين لجنة في الكونجرس وممثلي ثلاث من كبريات جامعات أميركا: كلودين جاي مسؤولة جامعة هارفارد، وسالي كورنبلوث رئيسة معهد ماساتشوتس للتكنولوجيا، وإليزابيث ماجيل رئيسة جامعة بنسلفانيا، في استجواب بشأن حرية التعبير الأكاديمي، فيما يتعلق بتصريحات وشعارات الطلاب حول الحرب في غزة. النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك انتقدت إجابتهن على سؤالها فيما إذا انتهكت دعوات الموافقة على الإبادة الجماعية لليهود بنود التنمر والاضطهاد في لائحة السلوك الجامعية؟

الأكاديميون أجابوا بأن تصنيف التصريحات يتوقف على السياق. ففي سياق دراسة الجملة فلسفياً تكون حرية تعبير، وفي آخر دعوة إجرامية (راجع مقال الزميل مشاري الذايدي الاثنين الماضي بعنوان «سيول غزة تغرق العالم»).

الصحافيون البريطانيون يريدون تعليقات عارف أحمد، لأنه من طليعة المدافعين عن حريتي التعبير والمناقشات المفتوحة، ومناهض لظاهرة «اللامنبرة»، لتشابه انتشارها على جانبي الأطلسي في الجامعات والمعاهد العليا، ظاهرة حرمان الخصوم الفكريين من التعبير بإلغاء محاضرات، وسحب دعوة محاضرين يحتج نشطاء الطلاب اليساريين على ما فسروه من تصريحاتهم برفض مواقفهم من قضايا الحرب الثقافية الحديثة كالعنصرية، وتاريخ تجارة العبيد، والمتحولين جنسياً، والصراعات العالمية.

أحمد اكتفى بالقول إن تقاليد حرية التعبير والمناظرات في أميركا تختلف عن نظيرتها في بريطانيا.

أحمد كمؤلف وباحث ومنظر في اتجاهات فلسفية وأخلاقية كـ«نظرية اتخاذ القرار» (أحد الفروع التطبيقية لنظرية الاحتمالات)، و«فلسفة الأديان من المنظورين العلماني والليبيرتالي»، كان دائماً من المدافعين عن استقلالية الساحات الأكاديمية بوضعها الخصوصي، كملتقٍ للفكر المنفتح والتفكير النقدي ومناظرة الخصوم حتى من أصحاب دعوات يراها المجتمع كريهة ومنفرة، لأنه بلا حرية البحث والمناقشات الفلسفية بين كل الاتجاهات تفقد الجامعات دورها الريادي في إثراء المعارف الإنسانية وتطويرها.

وبسبب تاريخه استمرت الصحافة في الإلحاح عليه لمعرفة وجهة نظره تجاه خلافات في ساحات الجامعات البريطانية والأميركية بشأن الحرب المأساوية الدائرة في قطاع غزة، وشكوى أكاديميين خشيتهم من غضب الطلاب المنقسمين حول الأزمة. الطريف أن منقذ أحمد من ورطة التعليق، كان رئيس الوزراء ريشي سوناك بقراره أن أحمد «سيحقق فقط في شكاوى تقدم بعد أغسطس (آب) العام المقبل ولن يحقق بأثر رجعي».

فسوناك هو الذي عين أحمد رئيساً لإدارة أنشأت منذ أربعة أشهر فقط «قسم حرية التعبير وحرية البحث الأكاديمي» في مكتب رعاية الطلاب. المكتب مؤسسة مستقلة (عن الحكومة وعن الجامعات) ترعى شؤون الطلاب، وتتابع أحوالهم في الجامعات والمعاهد، أنشئت في عام 2018 بمقتضى قانون 2017 للبحوث والتعليم العالي.

وكنا تناولنا سابقاً ما يحدث في حرم كثير من الجامعات البريطانية العريقة خلال الأعوام الماضية من تنامي ظاهرة إلغاء الرأي المخالف، وسحب دعوات وإلغاء محاضرات كان أعلن عنها مسبقاً. كانت المناسبات لدعوات وجهت لمشاهير ومفكرين وعلماء وساسة لإلقاء محاضرات أو الاشتراك في ندوات كنشاط ثقافي تنظمها الاتحادات الطلابية والجمعيات الثقافية والفنية والاجتماعية التي يكونونها، ثم تظهر مجموعة، غالباً أقلية، لكنها عالية الصوت، تنقب في تاريخ الشخص ما إذا كان جده الأكبر من بناة الإمبراطورية أو كان المحاضر ذكر على التواصل الاجتماعي تعبيرات فسروها كعنصرية أو ميسوجينية (كراهية النساء)، أو رفض الاعتراف بالتحول الجنسي غير البيولوجي وغيرها؛ ويعاني منظمو الندوة من حرج الاعتذار للمحاضر بعد إلغاء الدعوة خوفاً من غضب أو بطش المحتجين. ولأن الاحتجاجات كانت تأخذ طابع الصخب العنيف (في بعض الأحيان استعان المنظمون بالأمن أو البوليس لحماية المحاضر من غضب الناشطين الذين يستعينون بجماعات من خارج الجامعة) تضاعفت أعداد الشكاوى التي يتلقاها «مكتب رعاية الطلاب» في السنوات الأخيرة بشأن تهديد حرية التعبير، خاصة في مجالات اعتبر فيها الطلاب أن إلغاء ندوة كانوا يتطلعون للمشاركة فيها أثرت سلبياً على البحث العلمي والفلسفي الذي يعدونه. تزايد الشكاوى دفع بالحكومة إلى خلق قسم جديد يديره الفيلسوف عارف أحمد، ولائحة قد تفرض غرامات على إدارات جامعات تضع الاحتجاجات قبل حرية التعبير، فتحرم أغلبية الطلاب من خبرة المتحدثين في الندوات. تدخل سوناك منح أحمد تسعة أشهر يعد فيها لوائح حماية حريتي التعبير والبحث الأكاديمي.

طريقة انقسام الطلاب بين جانبي صراعات سياسية خارج بريطانيا يراه فلاسفة كعارف أحمد تحولاً عن مهمة وضع فلسفته ونظرياته موضع التطبيق. فتحول الصراعات من هذا النوع إلى احتجاجات صاخبة في الحرم الجامعي أو الشوارع تختلف كثيراً عن، وربما تناقض، نوعية الندوات والجدل الذي يتصوره فيلسوف كعارف أحمد.

أحمد، حتى الآن، تجنب فخاخاً قد يستدرج إليها، خاصة في برامج البث الحي، برفضه التعليق على أحداث سياسية انقسامية بعيدة عن النشاط الجامعي، فزلة لسان أو كلمة تحتمل تأويلات سلبية من محترفي إثارة الشكوى والمتخصصين في «اللامنبرة» قد تنهي مهمته قبل أن تبدأ!

انتهى

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيلسوف والحرية الأكاديمية الفيلسوف والحرية الأكاديمية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية
 العرب اليوم - التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab