ترمب وقناة بنما

ترمب وقناة بنما

ترمب وقناة بنما

 العرب اليوم -

ترمب وقناة بنما

بقلم: عادل درويش

 

«ألا يذكّرنا الرئيس دونالد ترمب بأنطوني إيدن؟». سألني عضو بلجنة الشؤون الخارجية في برلمان وستمنستر في أثناء لقاء جمعنا بنواب ولوردات: «أيكون حظه أفضل من إيدن؟».

المقارنة بمدى قدرة ترمب، في ولايته الثانية، على «استعادة» الولايات المتحدة لقناة بنما، بفشل الزعيم البريطاني الراحل إيدن (رئيس وزراء 1955 - 1957) في أزمة قناة السويس في خريف 1956.

ترمب يعود لإحياء «مبدأ مونرو»، وهو إبعاد أي قوى منافسة عن مناطق النفوذ الأميركي، خاصة «الحوش الخلفي» - أميركا اللاتينية. قناة بنما أنشأتها الولايات المتحدة (في 1904 في عشر سنوات، وكلفتها 12 مليار دولار بلغة اليوم)، ثم نقلت اتفاقية 1977 ملكيتها إلى بنما. يراها ترمب حيوية للأمن الاستراتيجي الأميركي ليس فقط بمبدأ مونرو، بل عملياً للربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وانتقال الأسطول بينهما لمجابهة أي تهديد محتمل، ويرى أن رسوم المرور التي تفرضها بنما على السفن الأميركية مبالغ فيها.

وهناك سوابق تاريخية نفذتها بريطانيا، القوة البحرية الكبرى آنذاك في القرن الـ19؛ لإبقاء الممرات المائية الحيوية بعيداً عن أي تهديدات محتملة لقوى منافسة كتدخلاتها العسكرية في خمسينات وثمانينات القرن الـ19 (بجانب الدولة العثمانية)؛ لإبقاء روسيا بعيدة عن مضيقَي البوسفور والدردنيل اللذيْن يربطان المتوسط بالبحر الأسود.

السابقة الأهم قناة السويس، فربطها البحر المتوسط بالبحر الأحمر جعلها مهمة لاستراتيجية بريطانيا بوجودها البحري جنوب آسيا والمحيط الهندي، مما دفعها لخوض المعارك ضد فرنسا: في خليج أبو قير، وتدمير الأسطول الفرنسي في 1798، مما أدى لهزيمة الفرنسيين النهائية في مصر في 1801، وذلك قبل حفر قناة السويس بستة عقود.

مؤسس مصر الحديثة، محمد علي باشا ظل يرفض مشروع ديليسيبس لحفر القناة طوال فترة حكمه (1805 - 1848)، مفضلاً ربط تجارة البحرين بالسكك الحديدية بين الإسكندرية والسويس، وبدأ بشراء المعدات من بريطانيا في 1820 لتأسيس صناعات مصرية، لكن السبب الحقيقي كان خشيته من استيلاء بريطانيا على القناة لأهميتها الاستراتيجية، وهو ما حدث وأدى لاحتلالها مصر في 1882.

وحتى بعد انسحاب معظم القوات البريطانية من مصر، وفق معاهدة 1936، التي وقعها الزعيم المصري مصطفى النحاس باشا مع وزير الخارجية البريطاني وقتها أنطوني إيدن، أصرّ الأخير على بند إبقاء قوات ومعدات (عشرة آلاف جندي) في قواعد منطقة القناة لعشرين عاماً أخرى، وبالفعل لم ينسحب آخر جندي إلا في صيف 1956. الصيف انتهى «بحرب السويس»، ثلاثة أشهر، بعد «تأميم» القناة، وارتبطت السويس في الأذهان بفشل قوة عظمى في تحقيق هدف ضروري لاستراتيجيتها.

ورغم نجاح المهمة العسكرية نفسها لوجود قواعد عسكرية قريبة في قبرص وليبيا ومالطا، وغياب الوجود العسكري السوفياتي كقوة معارضة، فإنها فشلت في تحقيق الأهداف لغياب سياسة إقليمية وعالمية مسبقة لتنفيذ المهمة. ومقارنة مثلاً بنجاح تدخلات بريطانية أخرى كحماية الكويت من تهديد عبد الكريم قاسم في 1961، بالتنسيق مع الجامعة العربية واشتراك قوات مصرية وأردنية، أو بالتدخل الأميركي في لبنان في 1958 بجانب الجيش اللبناني، وقيادة أميركا التحالف الدولي لتحرير الكويت في 1991، فإن أسباب فشل حرب السويس تغيب عن حالة بنما، فتدخل الرئيس الأميركي وقتها، دوايت أيزنهاور، بإجبار بريطانيا وفرنسا على الانسحاب في ديسمبر (كانون الأول) 1956 (بجانب غضبه لعدم إخطاره مسبقاً، وجدها فرصة سانحة لإحلال النفوذ الأميركي في مناطق نفوذ القوى الأوروبية القديمة).

عوامل فشل حرب السويس لن تواجه ترمب إذا أراد استعادة قناة بنما عسكرياً، وربما حتى لن يحتاج للحرب؛ فواشنطن استعادت نفوذها على بنما والقناة قبل 35 عاماً بتغييرها النظام الحاكم (لم يكن ضمن أهداف إيدن في حرب السويس) بتدخل عسكري بسيط لإسقاط الجنرال مانويل نورييغا، واستبدلت به زعيم المعارضة الذي نجح في انتخابات 1989 جيلليرمو إيندارا.

وقتها كانت إدارة الرئيس جورج بوش الأب لديها خطة معدّة، ووجدت قوة سياسية داخلية معارضة، وتقارير مفصلة من الـ«سي آي إيه» عن الوضع الداخلي وفقدان نورييغا ثقة مخابراته وأجهزة الدولة (في النهاية لجأ إلى السفارة الإسبانية في بنما سيتي).

ترمب في البيت الأبيض منذ ستة أيام فقط، وقد تكون خطته تغيير النظام في بنما، وقد يتدخل عسكرياً. ترمب اعتاد المفاجأة بخطوة غير متوقعة، لكنه قد يجد المفاجأة سلاحاً ذا حدين.
كُتّاب الشرق الأوسط
المزيد
الأكثر قراءة

    اليوم
    الأسبوع

هذا النوع من القهوة هو الأسوأ لقلبك... احذر تناوله
1
هذا النوع من القهوة هو الأسوأ لقلبك... احذر تناوله
2
اضطرابات أمنية في الساحل السوري إثر شائعات بعودة ماهر الأسد
3
إسرائيل تتسلم المجندات الأربع... وتفرج عن 200 أسير فلسطيني
4
التنقل في القاهرة صار أسهل وأسرع… لكن تكلفته مرهقة
5
7 تغيرات بدنية تعتري المرأة بعد سن الأربعين

arabstoday

GMT 03:23 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الذكاء بلا مشاعر

GMT 03:20 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

جديد المنطقة... طي صفحة إضعاف السنّة في سورية ولبنان

GMT 03:16 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

دعوكم من التشويش

GMT 03:13 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

سوريّا ولبنان: طور خارجي معبّد وطور داخلي معاق

GMT 03:10 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الترمبية انطلقت وستظلُّ زمناً... فتصالحوا

GMT 03:07 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الثنائي الشيعي في لبنان... ما له وما عليه!

GMT 03:03 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

زوبعة بين ليبيا وإيطاليا والمحكمة الدولية

GMT 02:58 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

طيَّار الخميني

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب وقناة بنما ترمب وقناة بنما



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:16 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

"يوتيوب" يطلق أدوات جديدة لتحسين الجودة
 العرب اليوم - "يوتيوب" يطلق أدوات جديدة لتحسين الجودة

GMT 03:07 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الثنائي الشيعي في لبنان... ما له وما عليه!

GMT 05:59 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية

GMT 03:23 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الذكاء بلا مشاعر

GMT 10:55 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

حكومة غزة تحذر المواطنين من الاقتراب من محور نتساريم

GMT 16:09 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab