أزمة الطاقة والتضخم المالي

أزمة الطاقة والتضخم المالي

أزمة الطاقة والتضخم المالي

 العرب اليوم -

أزمة الطاقة والتضخم المالي

بقلم: عادل درويش

الشهر الحالي، يعني الربيع، وتغير التوقيت الشتوي إلى الصيفي يجعل النهار المشمس أطول، وظهور براعم الزهور على الأغصان يلون لوحة فنية للطبيعة تدعو إلى التفاؤل، لكنه مشهد من النافذة الإنجليزية فقط، فوراء الزجاج البارد الملمس، يوجد واقع آخر يوحي بأن المشهد خداع «فلا ربيع ولا يحزنون».
في الصباح كانت قطرات الثلج في الحديقة، فأول من أمس كان من أكثر أيام هذا العام برودة حسب مكتب الأرصاد الجوية، والأيام التالية (درجة الحرارة ما بين تحت الصفر والحد الأعلى ثماني درجات مئوية).
وخلافاً للعادة، لم تكن الأخبار الأولى عن خدعة أبريل (نيسان)، ورواج التجارة تسوُّقاً لعيد الفصح، بل كانت أخباراً تدعو للاكتئاب؛ ولا أقصد الحرب الدائرة في أوكرانيا وتدفق اللاجئين، فقد انسحبت أخبارها إلى الصفحات الداخلية.
الخبر الأول في نشرات التلفزيون والإذاعة، يركز على حالة بؤس اقتصادي تعيشها ملايين الأسر البريطانية بتضافر عوامل جعلت معدلات التضخم هي الأعلى منذ أربعة عقود.
العامل الأكبر تأثيراً، هو زيادة أسعار الغاز والوقود، وارتفاع الفواتير للبيوت وللنشاط الاقتصادي من الخدمات الفردية إلى الأعمال الكبرى بقرابة الثلثين، بعد انتهاء الفترة الموسمية التي تحدد فيها الحكومة سقف زيادة أسعار الوقود. شبكات التلفزيون والإذاعة أيضاً خصصت برامجها الحوارية لاستضافة خبراء ومتخصصين ينصحون الناس «الغلابة» بكيفية التوفير.
الخبر الثاني نشطاء حركة البيئة «إكستنينكشن ريبلليون» (يدعون أن التغير المناخي سيؤدي إلى فناء العالم) احتلوا الطرق أمام مراكز مستودعات البترول والديزل وزيوت وقود التدفئة في مناطق مختلفة في جنوب ووسط إنجلترا، ومنعوا الشاحنات من التحرك. ولمعلومات القارئ، فإن ملايين المساكن وأماكن النشاط في الريف البريطاني ليست مثل المدن موصلة بشبكات مواسير غاز التدفئة وأسلاك كهرباء الضغط العالي، بل تعتمد على زيوت الوقود (كالكيروسين) التي تخزن في صهاريج صغيرة تتراوح سعتها بين ما يكفي أسبوعاً، إلى شهر. ومنع الزيت من الوصول للناس في أيام شديدة البرودة أصبح خبراً؛ فمعظم مستهلكي الزيت أبقوا مستودعاتهم فارغة لشراء الحد الأقصى من الوقود بأسعار الخميس مارس (آذار) قبل ارتفاع الثمن أول الشهر، وليس في الصهاريج ما يكفي لتدفئة بيوتهم في الأيام القادمة بسبب منع النشطاء (وأغلبهم من أبناء الطبقات الميسورة المرفهين الذين لا عمل حقيقياً لهم) وصول الوقود إليهم. البرد في المنازل غير المدفئة بشكل كافٍ يتسبب في موت عشرة آلاف شخص من كبار السن في بريطانيا سنوياً، وذلك قبل أزمة الوقود؛ وارتفاع الأسعار.
المعارضة توجه اللوم للحكومة، وتدعمها التيارات الليبرالية اليسارية في صناعة الرأي العام بانتقائية التغطية الإخبارية، ولا تذكر أن الأدوات المتاحة للحكومة للتعامل مع الأزمة محدودة!
معدلات التضخم، وإضرابات عمالية قبل أربعة عقود كانت وراء فقدان حكومة العمال ( - ) بزعامة جيمس كالاهان ( - ) للانتخابات، وبقائهم خارج السلطة لعقدين.

  أحداث سبعينات القرن والتي بدأت بارتفاع أسعار الوقود بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) ، وأنهت حكومتهم ( - ) بزعامة السير إدوارد هيث ( - ) لا تزال في وعي ساسة المحافظين، ولا يريدون أن تنتهي فترة حكمهم منذ (وهي من أكثر الفترات نجاحاً اقتصادياً) بتكرار ما حدث للعمال في السبعينات.
مساحة تحرك الحكومة للتعامل مع الأزمات في الديمقراطيات البرلمانية محدودة، فلا تستطيع اتخاذ قرارات أو تصدر قوانين فورية التطبيق، فهناك ضوابط وتوازنات وقضاء مستقل، وقانون لا تستطيع الحكومة نفسها مخالفته. عادة ليس أمام الحكومة إلا السياسة الضرائبية، واستثناءات ما تسمح به لوائح وزارة المالية، حتى سعر الفائدة في يد بنك إنجلترا المركزي وقراره مستقل عن الحكومة.
وزير المالية، ريشي سوناك، في ميزانية الربيع قبل أيام، خفض الضريبة على وقود الشاحنات والسيارات لتخفيف ارتفاع أثمان نقل الأغذية، ومنحة وزارة المالية للحكومات المحلية بخصم مؤقت من ضريبة العقار لبعض الأسر لا كلها؛ لكن عوامل أخرى تؤثر على التضخم كشحن الواردات من الخارج ومواد التعبئة والتغليف، والتكاليف والرسوم التي تدفعها شركات نقل الأغذية والمواد الأساسية، لكنها إجراءات بسيطة لن تؤثر على معدلات التضخم أو ارتفاع أسعار فواتير الغاز، بشكل يساعد الغالبية وهم ذوو الدخول المحدودة.
أحزاب المعارضة، تريد من وزير المالية أن يقدم المزيد لمساعدة ذوي الدخول المحدودة ودعم أسعار الطاقة، كما تتهمه بتعمد عدم تخفيض الضرائب، ورفع رسوم الضمان الاجتماعي كضريبة مقنعة، وهي خطته كي يخفض الضرائب قبل الانتخابات القادمة في ليجذب مزيداً من الأصوات للمحافظين.
المعارضة العمالية والتيارات الاشتراكية والديمقراطيون الأحرار، يطالبون بفرض ضريبة استثنائية على شركات البترول والغاز لأنها «حققت أرباحاً استثنائية من ارتفاع أثمان البترول والغاز». «الإغارة» على الأغنياء وآيديولوجية الحقد الطبقي التي تحرك السياسات الاشتراكية دائماً وبلا استثناء تؤدي لنتائج عكسية.
فلا توجد ضريبة استثنائية في الخريف حيث يتوقع عند ارتفاع أثمان الطاقة!
والضريبة الاستثنائية ستؤدي إلى هروب الاستثمارات التي تحتاجها بريطانيا، بما فيها الاستثمار في وسائل الطاقة الخضراء التي تمولها شركات الطاقة (وهي من أحد أسباب ارتفاع فواتير الغاز) وتصر عليها تيارات البيئة اليسارية.
كما أن أرباح هذه الشركات تذهب إلى حملة الأسهم، وبعكس ما تروجه الصحافة الاشتراكية مثلاً، فالغالبية العظمى من حملة الأسهم هي مؤسسات مالية ترعى صناديق المعاشات واستثمارات التقاعد لملايين من العاملين وأصحاب الحرف الصغيرة، والتي يدعي الاشتراكيون أنهم يمثلونهم.
باستثناء صحافة يمين الوسط، وخدمة جي بي نيوز (والتي تمثل أقل من خُمس صناعة الرأي العام) كل التغطية الصحافية تتجاهل تعطيل محتجي البيئة لوصول زيت التدفئة للمساكن، وأثر نشاطهم على تعطيل الاستثمار في بناء محطات توليد الطاقة النووية، وهجر استخراج الغاز الصخري وغاز وبترول الحقول والمياه البريطانية كسبب رئيسي في أزمة الطاقة الحالية والاعتماد على استيراد الغاز من الخارج.
ساسة اليسار وحركة البيئة لا يذكرون أي حلول للتعامل مع المشاكل الآنية الحالية كخفض أسعار الوقود وتوفير الاحتياجات الأساسية، بل يركزون على اقتراحات ومشاريع بشعارات مثالية براقة على المدى طويل وباهظة التكاليف كتوليد الطاقة من الرياح التي لا يضمن استمرار هبوبها. استمرار حكومة المحافظين في تبني دعوة متطرفي ناشطي البيئة، ورفضها استغلال الموارد المتاحة لعلاج أزمة للطاقة قد يكلفها الانتخابات القادمة.    
arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة الطاقة والتضخم المالي أزمة الطاقة والتضخم المالي



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تدعم فلسطين بإطلالتها في مهرجان الجونة 2024
 العرب اليوم - كندة علوش تدعم فلسطين بإطلالتها في مهرجان الجونة 2024

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتنسيق الديكورات حول المدفأة الكهربائية
 العرب اليوم - نصائح لتنسيق الديكورات حول المدفأة الكهربائية

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان
 العرب اليوم - اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 17:16 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يتحدث عن غيرته من هيفاء وهبي
 العرب اليوم - عمرو سعد يتحدث عن غيرته من هيفاء وهبي

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 05:35 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

قائمة الفائزين بـ"جوائز الكرة الذهبية" 2024

GMT 01:12 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنان مصطفى فهمي عن عمر يناهز الـ 82 عاما

GMT 17:23 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 02:00 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مقترح أميركي جديد لهدنة في غزة وإطلاق سراح الرهائن

GMT 14:36 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتخبّط في "أزمة حادة"

GMT 16:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

محمد عبده يفجّر مفاجأة لجمهوره بعد رحلة علاجه من السرطان

GMT 19:44 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إدانة خليجية جماعية للهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران

GMT 05:47 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تطلّ بالكوفية الفلسطينية في مهرجان الجونة

GMT 07:03 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

طريقان لا ثالث لهما أمام إيران

GMT 17:07 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab