بريطانيا وحسابات الضرائب الاستثنائية

بريطانيا وحسابات الضرائب الاستثنائية

بريطانيا وحسابات الضرائب الاستثنائية

 العرب اليوم -

بريطانيا وحسابات الضرائب الاستثنائية

بقلم: عادل درويش

انتهى الأسبوع بأخبار اقتصادية مزعجة؛ بنك إنجلترا (البنك المركزي الذي يحدد السياسات المالية وهو مستقل القرار عن الحكومة منذ 1997) رفع الفائدة للمرة الثالثة على التوالي، لتصل إلى أربعة أضعاف نسبتها (واحد في المائة بعد أن كانت ربعاً من الواحد في المائة قبل ستة أشهر)، كذلك البنك الفيدرالي الأميركي رفع الفائدة بنصف في المائة (ضعفا بنك إنجلترا).
البنوك المركزية تحاول استخدام سعر الفائدة أداة، إما لدعم النمو الاقتصادي (معدلات فائدة منخفضة تحفز على الاقتراض للاستثمار في مشاريع وخلق وظائف، بدلاً من الادخار لانخفاض نسبة العائد)؛ أو للحد من معدلات التضخم (ارتفاع الفائدة يؤدي لعكس المعادلة أعلاه، إذ يفضل الناس الادخار، وتقلل من الإنفاق على السلع والخدمات وزيادة عرض المنتجات على الطلب يخفض الأسعار). توظيف سعر الفائدة هو الوسيلة المجربة لعقود طويلة بالنسبة لأي سوق داخلية (في مجتمعات السوق الرأسمالية الحرة المفتوحة).
أندرو بيلي، محافظ بنك إنجلترا، حذر في المؤتمر الصحافي للإعلان عن أسعار الفائدة، من أن الاقتصاد يمر بمرحلة صعبة، وأن المواطنين يعانون من ارتفاع الأسعار وقلة الدخل، مع توقعه أن تصل معدلات التضخم إلى عشرة في المائة، وهي الأعلى منذ ثمانينات القرن الماضي.
وبعكس الثمانينات، لا توجد حالة بطالة، بل نقص الأيدي العاملة، والإنتاجية أكثر ارتفاعاً، لأن أسباب التضخم اليوم ليست من السوق الداخلية في أي بلد رأسمالي، وإنما أسباب خارجية عالمية أساسها ارتفاع أسعار الطاقة، وبدورها تؤدي إلى رفع تكلفة المنتجات والخدمات، سواء في تشغيل المصانع أو نقل البضائع، وازادت الأزمة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والحصار الاقتصادي على الأولى، وبدورها أثرت على واردات الطاقة، وأيضاً صادرات الحبوب والمنتجات الزراعية من أوكرانيا إلى العالم، مما رفع أسعارها، وهي عوامل لا يعتقد كثير من خبراء المال والاقتصاد أن الأداة المجربة، أي سعر الفائدة، ستكون فعالة في التأثير عليها.
في الأسبوع نفسه بلغت أرباح شركة البترول البريطاني في الربع الأول من هذا العام ستة مليارات ومائتي مليون دولار، أما شركة «شل» الشهيرة فقد بلغت أرباحها في الفترة نفسه رقماً قياسياً تجاوز تسعة مليارات ومائة مليون دولار.
حكومة المحافظين بزعامة بوريس جونسون (التي تلقت صفعات وركلات انتخابية موجعة في الانتخابات البلدية المحلية يوم الخميس) تواجه خيارات اقتصادية صعبة، وملايين من الناخبين ينخفض مستواهم المعيشي والمالي. ارتفعت النداءات من المعارضة العمالية، والصحافة وشبكات البث (أغلبها يسارية ليبرالية) ومن أحزاب المعارضة؛ الديمقراطيون الليبراليون، والخضر، والقوميون الاسكوتلنديون، بفرض ضريبة استثنائية على شركات الطاقة الكبرى، خصوصاً «شل»، والبترول البريطاني. ضريبة بنسبة ما بين عشرين إلى أربعين في المائة على الأرباح، وهو ما قد يزود الخزانة البريطانية بما بين خمسة وسبعة مليارات دولار، تطالب المعارضة بأن تستخدمها الخزانة لدعم فواتير الطاقة المنزلية لمحدودي الدخل والفقراء.
حكومة المحافظين بزعامة جونسون، ترفض الفكرة شكلاً وموضوعاً.
فهي ليست فقط سيئة من الناحية السياسيةـ بل إنها غالباً ما ستكون مخربة للنمو والتطور الاقتصادي، وتخلق مشكلات للمسؤولين عن تخطيط السياسة المالية وتحديد المعدلات الضرائبية لميزانيات السنوات المقبلة.

 

الضريبة الاستثنائية، تعرف بـ«windfall tax» (ضريبة على أرباح أتت بها رياح مواتية)؛ أي أن الدخل أو الربح نفسه استثنائي ولم يكن متوقعاً. وإذا افترضنا الحد الأقصى من الدخل من الضريبة، أي سبعة مليارات دولار، ماذا ستفعل بها الخزانة البريطانية؟
هل تستخدمها لتخفيض الضرائب؟
دخل مصلحة الضرائب البريطانية في السنة المالية المنتهية في الخامس من الشهر الماضي كان 718 ملياراً و200 مليون جنيه (890 مليار دولار)، أي أن الدخل من الضريبة الاستثنائية سيضيف أقل من 0.008 في المائة من دخل الخزانة. فماذا ستكون نسبة التخفيض الضرائبي لمعلم أو ممرضة من متوسط مرتب سنوي ثلاثين ألف جنيه سنوياً؟ بعد حساب الإعفاءات والاستثناءات سيكون حوالي ستة جنيهات شهرياً.
وماذا عن العام المقبل والأعوام التي تليه؟ كيف ستخطط وزارة المالية لسياستها بلا ضمان «لرياح مواتية» تهبط على مؤسسات أخرى بثروة تفرض عليها ضرائب؟
أم هل تخصص وزارة المالية دخل الضريبة الاستثنائية منحةً تصرف للأسر التي تواجه «فقر الطاقة» مثلما تطالب المعارضة والتيارات اليسارية والاشتراكية؟
دراسة معهد «ريزليوشن فونديشن» (خزانة تفكير لبحوث خطط لتحسين أحوال محدودي الدخل) في الشهر الماضي توقعت أن يتجاوز عدد الأسر التي تواجه «فقر الطاقة» خمسة ملايين منزل، يواجهون زيادة في فواتير الطاقة ما بين سبعمائة و1101 جنيه في العام، إذا ظلت أسعار الغاز على ما هي عليه.
لو وزعت وزارة المالية كل دخل الضريبة الاستثنائية على بيوت فقراء الطاقة، سيكون نصيب الأسرة حوالي مائة جنيه من الفاتورة السنوية التي تتجاوز في المتوسط ألفين من الجنيهات (مائة وستون جنيهاً شهرياً). ماذا عن بقية أشهر السنة؟
وهنا يحضرنا القول الصيني الشهير «اعط رجلاً سمكة تكفه وجبة عشاء، علمه الصيد تطعمه مدى الحياة».
معلقون وخبراء اقتصاد حرية السوق والاستثمار الرأسمالي يدعمون وزير الصناعة والأعمال والطاقة، غريغ هيندز، في محاولته إقناع الشركتين الكبيرتين، «شل»، و«البترول البريطاني»، باستخدام الأرباح غير المتوقعة في الاستثمار في التنقيب عن حقول غاز وبترول جديدة في بحر الشمال. وكان التنقيب واكتشاف مزيد من الغاز متوقفين منذ سنوات بسبب الحملة الهستيرية التي يشنها الخضر والبيئيون في مظاهرات ضد منشآت مقاولي التنقيب. مستشارو وزارة الصناعة والطاقة ينسقون مع الشركتين للتخطيط لتوجيه جزء من الأرباح للاستثمار في مشاريع توليد الطاقة الخضراء، وكلا النشاطين سيخلق عشرات الآلاف من الوظائف، ويؤدي لرواج اقتصادي في مناطق مستواها الاقتصادي متدنٍ.
أسعار أسهم الشركتين ارتفعت في البورصات؛ والاشتراكيون يتعمدون عدم ذكر أن حملة الأسهم لهذه الشركات أغلبها صناديق استثمار لمعاشات الاتحادات العمالية ومؤسسات ترعى الأرامل، أو مؤسسات تأمين صحي وتعاونيات.
جونسون ووزراؤه يخشون أن تشكل الضريبة الاستثنائية سابقة، وبالتالي تفزع المستثمر. شركتا البترول، «شل»، و«البريطانية»، بينهما يوظفان قرابة أربعين ألفاً مباشرة و185 ألفاً في أعمال تعتمد على المباشرين، وينفقان ثمانية عشرين مليار دولار سنوياً في بريطانيا، والخوف من ضرائب لم يخطط لها قد تدفع الاستثمارات الكبرى لتجنب بريطانيا.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا وحسابات الضرائب الاستثنائية بريطانيا وحسابات الضرائب الاستثنائية



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تدعم فلسطين بإطلالتها في مهرجان الجونة 2024
 العرب اليوم - كندة علوش تدعم فلسطين بإطلالتها في مهرجان الجونة 2024

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتنسيق الديكورات حول المدفأة الكهربائية
 العرب اليوم - نصائح لتنسيق الديكورات حول المدفأة الكهربائية

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان
 العرب اليوم - اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 17:16 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يتحدث عن غيرته من هيفاء وهبي
 العرب اليوم - عمرو سعد يتحدث عن غيرته من هيفاء وهبي

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 05:35 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

قائمة الفائزين بـ"جوائز الكرة الذهبية" 2024

GMT 01:12 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنان مصطفى فهمي عن عمر يناهز الـ 82 عاما

GMT 17:23 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 02:00 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مقترح أميركي جديد لهدنة في غزة وإطلاق سراح الرهائن

GMT 14:36 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتخبّط في "أزمة حادة"

GMT 16:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

محمد عبده يفجّر مفاجأة لجمهوره بعد رحلة علاجه من السرطان

GMT 19:44 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إدانة خليجية جماعية للهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران

GMT 05:47 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تطلّ بالكوفية الفلسطينية في مهرجان الجونة

GMT 07:03 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

طريقان لا ثالث لهما أمام إيران

GMT 17:07 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab