دراما شكسبيرية البارونة والوزراء ومناورة مكيافيلية

دراما شكسبيرية... البارونة والوزراء ومناورة مكيافيلية

دراما شكسبيرية... البارونة والوزراء ومناورة مكيافيلية

 العرب اليوم -

دراما شكسبيرية البارونة والوزراء ومناورة مكيافيلية

عادل درويش
بقلم -عادل درويش

دراما شكسبيرية على المسرح البريطاني متعدد الخشبات، من سلطة رابعة بكل وسائلها، ودهاليز السياسة، وساحات المحاكم، وصراعات بين قوى متعاونة متنافرة تتغير تحالفاتها أو خصوماتها في المشاهد.

الناظر من خارج بريطانيا يراها كلعبة لغز الصور المقطّعة: حكومة ريشي سوناك، ولجنة تحقيق بسلطات واسعة، والقضاء المستقل، وموظفو الدولة، والقانون، والتكنولوجيا الحديثة، ووزراء حاليون وسابقون، أشهرهم رئيس الحكومة الأسبق بوريس جونسون (2019-2022).

مؤسسة الحكم في المملكة المتحدة معقدة ومتشعبة، من برلمان من مجلسين، أحدهما جسر بين التاج والمجلس المنتخب (العموم)، وحكومة لا تنفصل عن البرلمان، فالوزراء أعضاء فيه، وموظفو دولة يتبعون التاج ولا يتغيرون بالانتخابات كالحكومة، فاسمهم في الخدمة المدنية، خدم ممثلي الشعب (الوزراء)، وقضاء مستقل، في غياب دستور محدد بنصوص ثابتة. إنما تراكم ممارسات تاريخية واجتهادات فقهاء القانون، مما يجعل القضاء وأحكامه، التي تصبح سوابق راسخة، دعامة أساسية دستورية لا مثيل لها في بقية العالم. لكن الاختلافات والتعقيدات مصدر قوة واستقرار الدولة لا ضعف، لأنها الضوابط والتوازنات التي تدعم استمرارية الديمقراطية. فالتعثرات التي تظهر، كأزمة هذا الأسبوع، تفرز اجتهادات بتعديلات وأحكام قضائية تثري سجل قرون من سوابق تراكمت كدستور دائم التحديث وأسلوب للحكم، كتطور تسميات أقسام الحكومة الـ465، و24 منها «وزارات» تشكل مجلس الوزراء.

الوزارة هي أحد طرفي محور أزمة هذا الأسبوع، والطرف الآخر لجنة البارونة هيذار هالليت (في الثالثة والسبعين، قاضية متقاعدة من محكمة الاستئناف وعضو مستقل في مجلس اللوردات). لجنة التحقيق، (تقوم بثلاثة تحقيقات مترابطة) كانت الحكومة نفسها طلبت تأسيسها للتحقيق في أداء الحكومة والوزارات ومديري الصحة العمومية، والرعاية الاجتماعية والمسؤولين عن تخطيط وتنفيذ سياسة مكافحة وباء كوفيد (أكثر من 24 مليوناً وستمائة ألف مريض، ووفاة قرابة 226 ألفاً حتى اليوم) لمعرفة الأخطاء وتعلم الدروس.

هذه التحقيقات عادة لا تسفر عن إدانة قضائية للمسؤولين، لأن نشاطها يستغرق سنوات قبل إصدار تقاريرها، فيكون المسؤولون خارج الحكم؛ لكنها تفتح الباب أمام قضايا التعويض المدنية من المتضررين أو ذويهم إذا ثبت أي تقصير كان يمكن تلافيه. والسبب الأخير، ما يثير الشكوك لدى الرأي العام في موقف مكتب شؤون مجلس الوزراء، من طلب البارونة هالليت تسليم كل الوثائق والمراسلات وصفحات الأجندة (المفكرة) اليومية، الرسمية والخاصة لكل الوزراء المسؤولين كاملة لدراسة اللجنة قبل استجواب المسؤولين والشهود. وبخلاف السوابق، فإن المراسلات المطلوبة اليوم ليست وثائق ورقية فقط، بل تكنولوجية معقدة كبريد إلكتروني، والأهم رسائل «واتساب». الأخيرة يستخدمها البرلمانيون والوزراء والصحافيون في مجموعات خاصة مغلقة، لأنها رسائل مشفرة تحمي الخصوصية، وهي أحد الأسباب التي تسوقها سكرتارية مجلس الوزراء لانتقاء ما تقدمه للجنة التحقيق. فمثلاً بعضها شخصي كاعتذار وزير عن حضور اجتماع لحالة عائلية خاصة أو لحالة صحية قد تكون محرجة، أو لعدم علاقة الرسالة بالتحقيق.

البارونة المسؤولة تصر على تطبيق قانون التحقيقات العامة لعام 2005 (والمسؤول عن تنفيذه وزارة باسم قسم الشؤون الدستورية)، الذي يمنحها الصلاحية الأولية في تحديد أية معلومات أو وثائق خاصة شخصية أو لا علاقة لها بالتحقيق، وحذرت اللجنة سكرتارية المجلس أن مخالفة القانون المذكور تهمة جنائية، وأعطت المجلس مهلة حتى ظهر الخميس لتسليم رسائل الـ«واتساب»، وإلا ستطلب من النيابة إصدار إذن البوليس لمصادرتها بالقوة. سكرتارية شؤون مجلس الوزراء اختارت التعطيل حسب فقرة في قانون 2005 تعطيهم الحق في اللجوء إلى المحكمة العليا لطلب جلسة المراجعة القضائية، للفصل في وجاهة أسباب سكرتارية المجلس، أم تلزمها بالانصياع لتعليمات البارونة؟ فقهاء القانون، ومحامون سابقون، ووزيران في حكومة سوناك، رجعوا إلى سوابق لجان تحقيق مماثلة، ويرون أن موقف سكرتارية مجلس الوزراء القانوني ضعيف، وفرصتهم في انتقائية الرسائل ضئيلة، لكنها مجرد حجة للتعطيل، لأن المحكمة العليا تحتاج إلى ثلاثة أيام للاستماع للمرافعات والتحقيق، ثم أسابيع طويلة لإعداد حيثيات الحكم، قبل نشرها. رئيس الحكومة الأسبق، جونسون والمسؤول ووزراؤه وقتها عن إعداد البلاد للتعاطي مع الوباء، دائماً ما تباهى بأن بريطانيا تحت وزارته سبقت البلدان الأخرى في إنتاج الأمصال وأدوية تقوية أجهزة المناعة وإدارة حملات التطعيم، لكنه بالضرورة طبعاً يتحمل مسؤولية الأخطاء. جونسون لعب ورقة مكيافيلية يعتقد أنها بارعة داخل «قرية وستمنستر» (المجازية). أبلغ لجنة هالليت أنه سيسلمها رسائل «واتساب» التي في حوزته، مما يحرج حكومة سوناك. استقالة سوناك الصيف الماضي كوزير مال، يعتبرها الجناح الجونسوني في يمين المحافظين طعنة بروتوس التي أدت إلى إنهاء زعامة جونسون للحزب، والأخير من منظورهم، هو الأمل الباقي لإنقاذ المحافظين في الانتخابات المقبلة.

حركة جونسون ليست بالبراعة التي يظنها، فرسائل «واتساب»، التي قدمها للجنة تشمل الفترة الأخيرة (عام 2022)، من هاتفه الرسمي، وأكثر وفيات الـ«كوفيد - 19» شهدها 2020، عندما تراسل جونسون بـ«واتساب» على هاتفه الشخصي - واستخدامه، كوسيلة غير آمنة، كان من علامات الاستهتار، التي استخدمها الخصوم ضده - ومن صلاحيات البارونة انتزاعه من درج مكتبه.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دراما شكسبيرية البارونة والوزراء ومناورة مكيافيلية دراما شكسبيرية البارونة والوزراء ومناورة مكيافيلية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab