بقلم: عادل درويش
الأسبوع حقبة طويلة في السياسة، عبارة الزعيم البريطاني العمالي الراحل السير هارولد ويلسون. ويا له من أسبوع شهد أحداثاً أكثر مما حدث في عقود كاملة. أما في بريطانيا فكان تغيراً في حظ زعيمها كير ستارمر، وكانت شعبيته تدهورت إلى أدنى مستوى لرئيس حكومة، وشعبية حزب العمال دون النجاح في الانتخابات (28 في المائة بينما حزب الإصلاح الجديد 25 في المائة)، فلأول لمرة حصل علي تأييد الأحزاب المعارضة في مجلس العموم مرتين في أسبوع. يوم الاثنين، قدم التقرير الوزاري للنواب عن نتائج زيارته لواشنطن، والمؤتمر الذي عقده لزعماء أوربيين (بجانب تركيا وكندا)، لبحث الأمن الأوروبي، وكان تقرر قبل المشادة العلنية غير المسبوقة في المكتب البيضاوي أثناء بداية المناقشات بين الرئيس دونالد ترمب ونائبه جيمس فانس في ناحية، والرئيس الأوكراني فلودومير زيلينيسكي في ناحية أخرى، منتهية بإحراج بروتوكولي في شبه طرد الأخير من البيت الأبيض.
تقديم التقرير الوزاري للبرلمان ملزم تقليدياً بعدم القيام برحلات خارجية أو مؤتمرات أو لقاءات دولية أو سياسية أو قرارات اتخذها وزير في غياب البرلمان، وكان المؤتمر الذي ترأسه ستارمر في لانكاستر هاوس في لندن عقد الأحد الماضي، أثناء عطلة نهاية الأسبوع للبرلمان.
الموضوع كان الأمن القومي، فجاءت المناقشات ودية، تتعلق بالتكاليف الاقتصادية، ومصدر ميزانية تمويل أي قوات قد تشترك في حفظ السلام بأوكرانيا؛ ومن صفوف المعارضة اقتصرت المداخلات غير الودية (من الديمقراطيين الأحرار، وبعض اليساريين من حزب الحكومة) على انتقاد الزعيم الأميركي وأسلوبه (ارتفعت نسبة عدم ثقة الناخب البريطاني له إلى 68 في المائة بسبب أوكرانيا)، ولم توجه إلى ستارمر.
تساءل البعض ما إذا كان الرئيس ترمب، كزعيم لحلف الأطلسي، ما زال الظهر الحامي لبريطانيا وأوروبا. ستارمر، كما هو متوقع، تجنب الإجابات المباشرة، وأكد متانة التحالف الأنغلو-أميركي، وأضاف أنه تحدث مرتين مع الرئيس ترمب في أقل من 48 ساعة.
الجلسة الثانية، الأربعاء، المساءلة الأسبوعية لرئيس الوزراء؛ نصف ساعة تشهد عادة مبارزة كلامية حادة بين رئيس الحكومة وزعيمة حزب المحافظين المعارض، كيمي بادينوك، في ست مبادلات دائماً مملوءة بالتهكم والقسوة. كان ستارمر - وهو ليس بمستوى البراعة الكلامية وسرعة البديهة التي تمتع بها مجادلون بارعون سبقوه مثل توني بلير، أو بوريس جونسون مثلاً - يتلقى ضربات كلامية ومواجهات محرجة من زعماء أحزاب معارضة مثل الحزب القومي الاسكوتلندي، والقوميين من إمارة ويلز، وأحزاب آيرلندا الشمالية، وعدد من المستقلين كانوا نواباً سابقين في العمل وتحولوا إلى خصوم من اليسار المتشدد. الاستثناء في المعارضة زعيم الديمقراطيين الأحرار، إدوارد ديفي، فسطحية مداخلاته وافتقاره سرعة البديهة جعلاه في المناظرات ضحية نهشها حمل وديع!
مناظرات الأربعاء هذا الأسبوع كانت أفضل أداء لستارمر منذ انتخابه قبل ثمانية أشهر؛ فلا ظروف توحد المعارضة مع الحكومة أكثر من الانطباع في البرلمانات الوطنية بوجود تهديد خارجي. الظروف التي كانت معظمها خارجية، خصوصاً ما بدا من انزعاج يشبه الذعر لدى البلدان الأوروبية من تغير الزعيم الأميركي لأولويات استراتيجيته العالمية، أحسن ستارمر (أو مستشاريه خاصة تلاميذ توني بلير) توظيفها سواء في المؤتمر الدولي أو في مبادراته عن التعاون الأوروبي، أو زيادة الأنفاق العسكري على صناعات الدفاع البريطانية، وزيارته لعدد منها. افتتح ستارمر مساءلته الأربعاء، بتوجيه الشكر والامتنان للقوات المسلحة، وتذكير النواب بلأن اليوم التالي (6 مارس/آذار) صادف الذكرى الثلاثين لسقوط جنود بريطانيين (قرأ أسماءهم جميعاً) في العمليات العسكرية في أفغانستان - ولأن مشاركة بريطانيا (حكومة بلير العمالية) في أفغانستان كانت دعماً للتدخل الأميركي ضد «القاعدة» في 1991، فكان هناك إجماع على أن ستارمر يرد، بأسلوب إنجليزي بارد غير مباشر على تصريحات من نائب الرئيس الأميركي فانس، كان قلل فيها من شأن مبادرة إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا، قائلاً إنها بلدان لم تخُض جيوشها حروباً لثلاثة عقود؛ ثم عاد وقال إنه لم يقصد بريطانيا أو فرنسا.
جميع مداخلات النواب من كل الأحزاب كانت إطراء للقوات المسلحة ودعماً لمداخلة ستارمر، بل إنه أنهى المناظرة بتسجيل هدف في مرمى زعيمة المعارضة، بأن تقليل الإنفاق على الدفاع كان في عهد حكومة المحافظين التي تركت عجزاً بـ22 مليار جنيه في الميزانية.