الوطنية والانتماء والتاريخ

الوطنية والانتماء والتاريخ

الوطنية والانتماء والتاريخ

 العرب اليوم -

الوطنية والانتماء والتاريخ

بقلم: عادل درويش

 

إحصائية تثير قلق المعلقين في بريطانيا، وجدلاً بين التيارات السياسية؛ إذ تشير نتائجها إلى انخفاض حاد في شعور البريطانيين بالانتماء الوطني والإحساس بالفخر بتاريخ البلاد وبحاضرها؛ خصوصاً وأنها جاءت في أعقاب الخطبة العامة التي ألقاها رئيس الوزراء السير كير ستارمر، وأثارت انتقاد المعلقين من مختلف أطياف المشهد السياسي، فاتهموه بالسلبية لادعائه تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والمألوف تلويح الزعماء براية التفاؤل وإظهار صورة إيجابية عن أوطانهم.

وربما لا تبدو علاقة مباشرة بين الأمرين، فهذه الإحصائية تُجرى كل عشر سنوات، لكن ستارمر حصل على الأغلبية الأكبر في الانتخابات العامة قبل شهرين، فهل عكس خطابه المتشائم الحالة المزاجية العامة التي تنتاب العقل الجمعي للأمة؟

الأرقام السلبية ترتفع بين الأجيال الأصغر سناً (دون الخمسين)، فأغلبية كبار السن والمتقاعدين (فوق السبعين) لا يشاركون عادة في الاستطلاعات، وأقلية منهم تصوّت للعمال بينما الأكثرية للمحافظين، والغاضب بينهم على سياسة المحافظين يصوت للديموقراطيين الأحرار، أو يمتنع، لكن ليس للاشتراكيين.

ففي عام 2013 كان 86 في المائة من البريطانيين فخورين بتاريخ البلاد، بينما انخفضت النسبة هذه المرة إلى 64 في المائة فقط (ونسبتها دون النصف بين الشباب)؛ وحوالي النصف (53 في المائة) عبروا عن ثقتهم بنجاح الديمقراطية البريطانية كنظام سياسي (كانت 69 في المائة في 2013)، بينما شعر 44 في المائة فقط بافتخارهم بالإنجازات الاقتصادية لبريطانيا، وكانت النسبة 57 في المائة في 2013.

لكن الإحصائية لها جانب إيجابي بشأن تعريف المواطنة التي أصبحت أكثر شمولاً واحتضاناً للأقليات الإثنية، إذ انخفضت نسبة من يشترطون ميلاد الشخص على أرض المملكة المتحدة كي يحق له وصف نفسه بأنه «بريطاني حقيقي» من 74 في المائة عام 2013 إلى 55 في المائة فقط حالياً.

الملاحظ أن الاستطلاع استمر طوال العام الماضي، عندما كان رئيس الحكومة ووزراء المناصب القيادية من أبناء المهاجرين الملونين، وكانت سياساتهم أكثر وطنية وتشدداً تجاه المصالح القومية من العمال والأحزاب التي قياداتها من البيض من أبناء السكان الأصليين، وكثير من الرياضيين البريطانيين الذين أحرزوا البطولات العالمية من الملونين والمهاجرين.

لكن بقية نتائج الاستطلاع سلبية وتثير تبادل الاتهامات، خصوصاً وأن معلقي الجيل الأكبر سناً من المحافظين يتهمون اليسار الليبرالي في مؤسسات الإعلام وفي مجال التعليم بانتقاء أحداث تاريخية خارج السياق، وبالانحياز لحركات راديكالية معادية لبريطانيا في التغطيات الصحافية، وتشويه مناهج التعليم مما أدى إلى نشوء جيل يخجل من تاريخه بدلاً من الافتخار به.

فقد بيّن الإحصاء تناقصاً بـ13 في المائة في نسبة الذين يفضلون جنسيتهم البريطانية على جنسيات أخرى، إذ كانوا 62 في المائة عام 2013، وانخفضت النسبة اليوم إلى 49 في المائة فقط، بينما يفضل الأغلبية، 51 في المائة، أن يكونوا مواطني بلدان أخرى.

المؤرخون المحافظون كالسير دافيد ستاركي منزعجون مما يرونه تزييف التاريخ بانتقائية الأحداث، ووضعها خارج السياق، فمعظم الأمم، وتقريباً كل الإمبراطوريات، كانت لها سياسات دون مستوى المعيار الأخلاقي المقبول اليوم، سواء كتاريخ استعماري أو في اقتناء وتجارة العبيد؛ لكن لبريطانيا ما تفخر به في تصحيح الأخطاء. فبجانب انضمام المستعمرات السابقة إلى الكومنولث البريطاني بعد الاستقلال، فإن بريطانيا كانت الأولى التي أصدرت قوانين تحريم تجارة العبيد واقتنائهم في ثلاثينات القرن التاسع عشر، ولعبت البحرية الملكية الدور الأكبر في اعتراض سفن تجار العبيد لإعتاقهم، بل وسقط ضحايا من البحارة والضباط البريطانيين في مهام تحرير العبيد.

ولأن المعلمين البريطانيين لديهم استقلالية ومرونة في اختيار المناهج، شهدت السنوات الأخيرة مناهج دراسية تقدم التاريخ الإمبراطوري بانتقائية سلبية، كما لا توضح الفرق بين الوطنية (Patriotism)، والقومية المتطرفة (Nationalism)، فالأولى إيجابية دفاعية، تتفانى في حماية مكان جغرافي وأسلوب حياة اجتماعي وثقافة مفضلة، بلا محاولة فرضها على الآخرين؛ في حين أن الأخيرة تؤدي إلى شوفينية متطرفة، قد تكون هجومية عدوانية، كما رأينا من تاريخ الحروب التي بدأتها قوى شمولية تفرض قوميتها على الآخرين.

اختلاط المفهومين لدى الأجيال الشابة جعلهم يركبون موجة الانسلاخ عن، وشجب، تاريخ البلاد كأساس للهوية والمشاعر الوطنية، ويعدونها قومية شوفينية، وتصبح السخرية من ماضي الأمة موضة بين الشباب، ليبدوا منتمين إلى الحاضر الجديد كعالم بلا حدود.

تذكرت الشاعر الإغريقي سيمونيديس (556 - 486 ق.م.) الذي اهتمت أبياته التأملية بالذكرى والتاريخ وحضارة المكان، وأشعاره عن معارك الإسبرطيين واليونانيين والفرس في القرن الخامس قبل الميلاد، منها بيت معناه «لم يهزموا بالغزو، وإنما بنسيانهم تاريخهم وحضارتهم».

arabstoday

GMT 08:09 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

وحدة الساحات

GMT 08:08 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

لبنان... نتنياهو أخطر من شارون

GMT 08:05 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الأردن و«الإخوان»... «حكي القرايا وحكي السرايا»

GMT 07:59 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

أوسلو... من الازدهار إلى الانهيار

GMT 07:57 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إيران ــ أميركا ــ أوروبا وإدارة الصراع

GMT 07:55 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

«الكلمة نور وبعض الكلمات قبور»

GMT 07:53 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

رؤية عربية للمتغير الرئاسي الأميركي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوطنية والانتماء والتاريخ الوطنية والانتماء والتاريخ



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:43 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالة مختلفة تضج جمالاً
 العرب اليوم - نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالة مختلفة تضج جمالاً

GMT 00:23 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها
 العرب اليوم - طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها

GMT 19:41 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

إطلاق نار بمحيط إقامة دونالد ترامب

GMT 02:19 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

حالة طوارئ في جنوب ليبيا بسبب السيول

GMT 17:46 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

إصابة شرطي إسرائيلي في عملية طعن في القدس

GMT 04:25 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

سماع صوت انفجار بمحيط مخيم العين غربي مدينة نابلس

GMT 17:24 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

قصف إسرائيلي عنيف على بلدة عيتا الشعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab