دراسة جديدة عن تغير التعبيرات الصحافية

دراسة جديدة عن تغير التعبيرات الصحافية

دراسة جديدة عن تغير التعبيرات الصحافية

 العرب اليوم -

دراسة جديدة عن تغير التعبيرات الصحافية

بقلم: عادل درويش

عودة إلى قدرة وسائل التعبير العمومية على تشكيل الرأي العام فيما يعرف بالـ«prevailing orthodoxy»، أي مجموعة القيم والمعايير الأخلاقية، التي تغلبت على الأفكار المختلفة عنها فأصبحت السائدة في العقل الجمعي.
نموذج من جنوب البحر المتوسط مثلاً كيف تغيرت المعايير لما هو مقبول، مائة وثمانين درجة. وليقارن القارئ صورتين مثلاً لطالبات الجامعة، أو أزياء البلاج (الشاطئ)؛ واحدة التقطت في 1960 وأخرى في 2020، ويخيل إليك أنهما من بلدين، أوروبي وآسيوي، رغم أن كليهما من الإسكندرية (أو مثيلاتها) بفارق ستة عقود.
والمعتقد مثلاً أن الشبكات التلفزيونية (بجانب التواصل الاجتماعي للشباب) تشكّل الرأي العام، لكنها في الواقع جسر لعبور أفكار ولدت على أعمدة الصحافة المكتوبة. ورغم أن أعداد مشاهدي التلفزيون تفوق أضعافاً مضاعفة توزيع الصحف، فإن كل الدارسات وجدت أن المنبع الأصلي للأفكار التي غيّرت اتجاهات الرأي العام كان الصحافة المكتوبة، ومنها إما يتوجه الصحافيون إلى العمل في التلفزيون والإذاعة، أو يستلهم معدو البرامج التيارات الفكرية من المطبوعات من كتابات المثقفين والفلاسفة والأدباء والشعراء.
في العقود الأخيرة، اتخذت الصحافة المكتوبة اتجاهات جديدة، لأن أغلب صحافييها (لأسباب اقتصادية تتعلق بالمرتبات) شباب بلا أي خبرة في العمل الصحافي، أو أي مجال آخر سوى شهادة جامعية في دراسات الصحافة ومنصات التعبير (media studies)، بينما جيلنا مثلاً تعلم المهنة بالخبرة، ولم تكن هناك معاهد صحافة عندما بدأت تدريبي الصحافي «صبي مطبعة» في فليت ستريت قبل ستة عقود.
الاستخلاص نتيجة دراستين؛ الأولى أجراها في أميركا ديفيد روزيدو الباحث الأكاديمي في الصحافة على 47 صحيفة ومؤسسة إخبارية، والثانية دراسة في بريطانيا نشرت قبل أيام.
الأخيرة أجراها ماثيو جودوين بمشاركة رويزدو عن اتجاهات المتغيرات في اللغة الصحافية، وتأثيرها على الرأي العام في العقدين الأخيرين (2000 - 2020)، وذلك بدراسة 16 مليون موضوع صحافي من أخبار، وتحليلات، وأعمدة الرأي، في أكبر عشر مؤسسات صحافية، ومنابر التعبير الأقوى تأثيراً في الرأي العام البريطاني، سواء من اليسار (كـ«بي بي سي»، و«الغارديان» و«الإندبندنت)، أو من الليبرالية ويسار الوسط (كـ«التايمز»، و«الفايننشال تايمز») أو اليمين الوسط كـ«الديلي ميل».
وظف المشروع برنامج «سوفت وير» لمسح ما نشر وبث إذاعياً، لتفقد تعبيرات دخلت اللغة الصحافية مؤخراً، ولم تكن مستخدمة قبل عقدين؛ عبارات مرتبطة بالتحيز والتمييز لها دلالة سياسية أو آيدلوجية للتأثير العاطفي، المباشر أو اللاشعور على المشاهدين والقراء. تعبيرات مثل «التفرقة العنصرية» و«التمييز الجنسي»، و«الإسلاموفوبيا»، و«الاستيلاء على ثقافة الأقليات»، و«عنصرية اللاوعي»؛ والعبارات المرتبطة بـ«العدالة الاجتماعية».
وجد برنامج البحث زيادة خمسمائة ضعف في المتوسط (511 في المائة) في استخدام تعبيرات كـ«تفوق سلالة البيض»، و«الزينوفوبيا» (معاداة الأجانب) و«العنصرية»؛ في حين ارتفع استخدام تعبيرات مثل «التمييز على أساس الجنس»، و«الميسوجينية (معاداة المرأة)»، و«الباطرياركية (النظام الأبوي المؤسسي)»، و«التمييز بين الجنسين» بنسبة 172 في المائة. وكذلك الحال بالنسبة لمصطلحات مثل «تخويف المتحولين جنسياً» (بنسبة 4143 في المائة)، و«الإسلاموفوبيا» بزيادة 306 في المائة، ومعاداة السامية بزيادة 381 في المائة.
واتضح من البحث المستفيض في اشتماله على مصادر تعبير صحافة متعددة، أن انتشارها شمل وسائل اليسار واليمين والوسط، لكنها كانت أكثر وضوحاً في المنابر اليسارية، مثل «الغارديان» و«بي بي سي». الاستثناء الوحيد، بين عامي 2015 و2020، هو أن الإشارات إلى معاداة السامية كانت أكثر ملاحظة في صحافة اليمين. تفسير جودوين كان ارتفاع الشكاوى من معادة السامية أثناء زعامة اليساري الراديكالي جيرمي كوربين لحزب العمال، الذي ناصبته صحف اليمين العداء.
الدراسة ركزت على «بي بي سي»، لأنها الخدمة القومية العامة التي تحدد الأجندة اليومية للسياسة، والأكثر تأثيراً والأعمق في الرأي العام للأمة. ما بين عامي 2010 و2020، زادت إشارات «بي بي سي» إلى المصطلحات التي توحي بالعنصرية بنسبة 802 في المائة، وتعبيرات التمييز الجنسي بنسبة 610 في المائة، وترويع المثلية الجنسية والمتحولين جنسياً بنسبة 134 في المائة، و3.341 في المائة على التوالي، في حين زادت تعبيرات الإسلاموفوبيا بنسبة 585 في المائة، ومعاداة السامية بـ431.2 في المائة.
كما اتضح أن الوسائل اليسارية أكثر تطرفاً في إلصاق الصفات السلبية بالخصوم مثل وصف حزب الاستقلال (محرك التصويت لـ«بريكست») أو أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بـ«اليمين المتطرف»، بينما لا تصف اليساريين مهما بلغت راديكاليتهم بالتطرف.
المفارقة أنه مع زيادة إقناع الوسائل الصحافية للرأي العام بوجود هذه التفرقة والسلبيات (استطلاع مؤسسة «يوغوف» في يونيو/ حزيران 2000 وجد أن أغلبية جيل الألفية يعتقدون أن بريطانيا «أكثر عنصرية» من جيل آبائهم)، فإن الواقع أن المجتمع البريطاني أصبح أقل عنصرية وأكثر تسامحاً وليبرالية عما كان عليه الوضع قبل ستة عقود (عندما كان أصحاب البيوت مثلاً يرفضون مستأجرين من السود والمهاجرين والآيرلنديين)، حسب إحصائية المجلة البريطانية لعلوم الاجتماع عدد أبريل (نيسان) 2017، وأصبح المجتمع أكثر قبولاً للمثليين والمتحولين جنسياً (إحصائية منشورات المواقف الاجتماعية البريطانية صيف 2019).
الباحثان يطرحان عدة افتراضات لتفسير التطورات في اتجاهات الصحافة، أهمها أن 90 في المائة من الصحافيين اليوم من خريجي الجامعات بلا خبرة عملية (إحصائية اتحاد الصحافيين في مايو/ أيار هذا العام). دراسة معهد «رويترز» للصحافة بمشاركة جامعة أكسفورد في 2020 وجدت أن غالبية الصحافيين من خريجي جامعات النخبة ومن أبناء الطبقات العليا يتبنون الأفكار اليسارية، إذ أجاب أكثر من ثلثيهم بأنهم يعدون أنفسهم أصحاب رسالة ونشطاء لتغيير العقلية الجماعية وليسوا صحافيين محايدين بلا مشاعر عاطفية كحال الأجيال الأكبر سناً.
الفرضية الأخرى التي يطرحها جودوين ورويزدو ما يسمى «concept creep» الزحف المتنامي للمفهوم الجديد للتعبيرات (حسب دراسة مجلة علم النفس الأميركية في صيف 2016) مثل إعادة تفسير مفهوم قديم في إطار جديد، ثم التوسع في رقعة المفهوم لابتكار مشكلة لم تكن ملاحظة أصلاً، كربط الصحافة اليسارية بين المصوتين لـ«بريكست» وبين العنصريين، أو وضع لافتة التعبيرات المستجدة على الخصوم لحرمانهم من منابر التعبير.
لا يزال الأمر يحتاج دراسات جديدة للتأكد من هذه الفرضيات.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دراسة جديدة عن تغير التعبيرات الصحافية دراسة جديدة عن تغير التعبيرات الصحافية



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab