أضافت أحداث وتصريحات شخصيات عالمية إلى تحذيرات التيار الليبرتاري من اتجاه عابر للحدود يسعى لإلغاء التعبير عما يخالف الرواية الرسمية، حتى انتشر في الديمقراطيات الكبرى، التي حاربت أجيالها القديمة لحماية حرية الفكر والتعبير والنشر.
السلطات الفرنسية احتجزت المليونير الروسي المولد المتعدد الجنسيات (روسيا، فرنسا، الإمارات المتحدة، اتحاد سانت كيتس ونيفيس) بافيل دوروف، رئيس مجلس إدارة منصة التواصل الاجتماعي «تلغرام» (تلغراف)، وأفرجت عنه بكفالة انتظاراً للتحقيق معه شريطة ألا يغادر الأراضي الفرنسية.
التهمة غير واضحة (من الناحية القانونية)، لكن مضمونها أنه يسمح لمخالفي قانون الاتحاد الأوروبي للنشر الإلكتروني، المتهمين بغسيل الأموال أو نشر معلومات مضللة، بالتواصل على خدمة «تلغرام».
محامو دوروف سيجادلون بأنه ليس بناشر مسؤول عن مؤلفيه، بل مثل باعة الكتب والصحف المتعددة الاتجاهات، بجانب أنه وموظفيه غير قادرين على مراقبة المحتوى المشفر. فـ«تلغرام» مثل زميلتها ومنافستها «واتساب»، وسيلة تواصل مشفرة بين طرفين أو مجموعة، فلا يمكن لطرف ثالث معرفة محتوى الرسائل المتبادلة داخل مجموعة من المشاركين. ومثل «واتساب» يمكن أن تكون منصة نشر، أو قناة إذاعية أو تلفزيونية، يمكن عبرها النشر وبثّ الأخبار إلى المشاركين.
وبينما الحد الأقصى لمجموعة مشاركة على «واتساب» هو 1024 حساباً، فإن المجموعة على «تلغرام» تتسع لأكثر من 200 ألف مشارك.
«واتساب» تتبع «ميتا» لصاحبها مؤسس «فيسبوك»، مارك زوكربيرغ، وبدوره أكد مخاوف القلقين على حرية التعبير.
خطاب أرسله زوكربيرغ إلى عضو الكونغرس جيم جوردن، يأسف فيه لقبول ضغوط الإدارة الأميركية أكد 3 وقائع مقلقة. أولاها أن إدارة الرئيس جو بايدن ونائبته (المرشحة الرئاسية) كاملا هاريس مارست الضغط على وسائل التعبير لفرض رقابة على المواطنين. وثانيتها، وهي الأسوأ، أن «فيسبوك» المفترض استقلاليته استجاب للضغط، في خرق مباشر للمادة الأولى من الدستور الأميركي، سواء عن قصد أو عن حسن نية (ربما سذاجة)، بأن منع تداول وحجب تقارير وتساؤلات تتعلق بسياسات عامة سيكون في المصلحة الوطنية. والادعاء الأخير من أسوأ التبريرات، فبجانب أوتوقراطية الانفراد بتحديد ما هو في صالح الوطن والمواطن بلا مراجعة ممثلي الشعب، فإن منصات ووسائل التواصل التي أنشئت أصلاً للحصول على المعرفة بفرص متكافئة، أصبحت حواجز تحول دون معرفة الحقائق والمعلومات. فزوكربيرغ اعترف بأن «فيسبوك» منع تداول تحقيق صحيفة «نيويورك بوست» عشية انتخابات 2020 عما عرف بـ«خطة لابتوب ابن بايدن». القصة كانت عن تبادل رسائل من الكومبيوتر المحمول (اللابتوب) لهنتر بايدن (ابن الرئيس بايدن) تشير إلى تواطئ مع محامين ضد المرشح الجمهوري في مصلحة الديمقراطيين. مكتب التحقيق الفيدرالي خدع «فيسبوك»، وعدداً من المنصات الأخرى، بأن القصة اختلقتها المخابرات الروسية.
في بريطانيا، أحد أولى إجراءات حكومة كير ستارمر العمالية كان إيقاف العمل بقانون يضمن حرية التعبير في الجامعات، بحماية المحاضرين من رقابة وابتزاز النشطاء السياسيين في الحرم الجامعي.
وأثناء زيارته هذا الأسبوع لأوروبا، طالب الزعيم البريطاني باتخاذ إجراءات لمحاصرة صعود ما سماه «اليمين المتطرف» على وسائل التواصل، كما بحثه في اجتماعات مغلقة، بينما تتعرض الوسائل نفسها لضغوط وزرائه لتشديد الإجراءات الرقابية لحماية الأطفال والأسرة من المحتوى الضار لما ينشر ويتداول. وظاهرياً، قد يوافق كثيرون، خاصة الآباء والأمهات، لكن فعلياً، ما يعرف بـ«قانون السلامة على الإنترنت» لا يعطي تعريفات محددة لما يهدد السلامة أو ما هو أخبار مزيفة.
من الاتجاه نفسه، اتهم الاتحاد الأوروبي إيلون ماسك بانتهاك قانون الاتحاد للخدمات الرقمية، وتحويل منصة «إكس» التي يمتلكها إلى ساحة لترويج الأخبار المزيفة.
حكومة البرازيل اضطرت «إكس» للاختفاء من فضاء البلاد بسبب قوانين لرقابتها، وهو ما تحاوله الحكومة الأسترالية، بينما حجب نظام نيكولاس مادورو كل سبل ومواقع وصول مواطني فنزويلا إلى «إكس». ماسك متهم بترك «إكس» مفتوحة للأنباء الضارة أو المزيفة، بلا تعريف محدد.
في رواية «1984» للروائي والمفكر الإنجليزي جورج أورويل (1903 - 1950) جملة عن شكل المجتمع الديستوبي، الذي تصوره في مستقبل مظلم غابت عنه الحقيقة وزيّفت هويته: «... سجلات التاريخ وكل الكتب أعيدت صياغتها، كل لوحة أعيد رسمها، الشوارع والمباني أعيدت تسميتها، والتواريخ عدلت... التاريخ وقف عند الحاضر، الذي يراه الحزب الحاكم ملائماً». انتهى.