بقلم : محمد أمين
كل رجل أعمال ناجح فى مصر الآن يقول إنه طلعت حرب، وكل صاحب مصنع يتصور أنه طلعت حرب، مع أن طلعت حرب لم يكن رجل أعمال، ولا صاحب مصنع ناجح.. ولكنه كان مؤسِّس الاقتصاد الحديث، وبدأ ذلك بإنشاء بنك مصر ومجموعة الشركات التابعة له. لم يطلق اسمه على أى شركة من شركاته، التى كانت فى كل المجالات، وعمل على تحرير الاقتصاد المصرى من التبعية الأجنبية!.
وُلد بالقاهرة، وتخرج فى مدرسة الحقوق عام 1889، والتحق بالعمل مترجمًا بالقسم القضائى «بالدائرة السنية»، ثم أصبح رئيسًا لإدارة المحاسبات، ثم مديرًا لمكتب المنازعات، حتى أصبح مديرًا لقلم القضايا. وفى عام 1905 انتقل ليعمل مديرًا لشركة كوم أمبو بمركزها الرئيسى بالقاهرة، ثم مديرًا للشركة العقارية المصرية، التى عمل على تمصيرها، حتى أصبحت غالبية أسهمها للمصريين، وفى عام 1910 حاولت الشركة المالكة لقناة السويس تقديم مقترح لمد امتياز الشركة 50 عامًا أخرى، إلا أن طلعت حرب أسهم فى حشد الرأى العام لرفض ومعارضة هذا المقترح، وأصدر كتابه «مصر وقناة السويس»، حيث أثمرت هذه الجهود لاحقًا قيام مجلس النواب برفض هذا المقترح!.
أسّس بنك مصر ومعه 126 من المصريين، وكانت شركة مساهمة مصرية، وقيمة السهم أربعة جنيهات، وكان إجمالى الاكتتاب 80 ألف جنيه، واشترى منها عبدالعظيم المصرى وحده ألف سهم، وكان أكبر مساهم فى البنك، وهو واحد من أعيان مغاغة، وانطلق البنك فى 13 إبريل سنة 1920، ونُشر الخبر بالوقائع المصرية.. أول مرسوم لشركة مساهمة مصرية باسم بنك مصر!.
المهم أن البنك حقق نجاحات وإنجازات باهرة، إلا أنه تعرض لأزمة مالية طاحنة بإيعاز من سلطة الاحتلال الإنجليزى، اضطرت البعض إلى سحب الودائع، وتعرض البنك لأزمة سيولة، ومما زاد الأزمة سحب صندوق توفير البريد لكل ودائعه من البنك، ورفض المحافظ الإنجليزى للبنك الأهلى وقتها أن يُقرضه بضمان محفظة الأوراق المالية!.
وعندما ذهب طلعت حرب إلى وزير المالية حينذاك، حسين سرى باشا، لحل هذه المشكلة، وطلب منه إما أن تصدر الحكومة بيانًا بضمان ودائع الناس لدى البنك، أو أن تحمل البنك الأهلى على أن يُقرض بنك مصر مقابل المحفظة، أو أن تأمر بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد، إلا أن حسين سرى رفض ذلك بإيعاز من على ماهر باشا بسبب قيام طلعت حرب بمساندة خصمه النحاس باشا من قبل!.
واقترح الوزير حلًّا لهذه الأزمة، لكنه اشترط تقديم طلعت حرب استقالته، فقبل على الفور هذا الشرط من أجل إنقاذ البنك، وقال كلمته المشهورة: «فلأذهب أنا، وليعِش البنك»!.
لم يتعلق بالبنك الذى أسسه، ولكنه تركه، وجلس فى بيته، وقال: المهم أن يعيش البنك، ولم يفعل مثل كثيرين أسّسوا المصانع والمستشفيات والمدارس والجامعات، وماتوا وهم يديرونها، وتمسكوا بها حتى أفلست، ولم يتركوها لتتنفس وتعيش. هذا هو الفرق بين مَن يعمل بحب، ومَن يعمل لأسباب أخرى.