بقلم : محمد أمين
قلت مرارًا إن الدول مثل الأفراد، تحكمها منظومة قيم تؤمن بها.. وأظن أن جنوب إفريقيا فى وقفتها الشجاعة لمقاضاة إسرائيل بجرائم حرب، كانت تحكمها منظومة قيم تتعلق برفض الظلم والتمييز والعنصرية، وهى القيم التى آمنت بها ودافعت عنها. كما أنها لا تقبل أن يعيش غيرها المعاناة والظلم والتمييز، كما تعيشها فلسطين الآن!.
ومعلوم أن حياة الناس تنضبط بعدد من القيم، التى توجه تصوراتها الفكرية، وممارساتها العملية. وجاءت جنوب إفريقيا لتؤكد هذه المعانى فى الحرب على غزة. ولذلك أسرعت بإقامة دعوى ضد إسرائيل فى محكمة العدل، بكل ما تحمله من خبرات قانونية ودروس تاريخية. وأعتقد أن إسرائيل شعرت بقلق، لأن جنوب إفريقيا تملك المهارات والخبرات فى هذه الناحية. وإذا كانت هناك دولة قد طرحت اسمها فى هذه الأيام بشكل جيد، فهى جنوب إفريقيا، التى كسبت احترام العالم بدفاعها عن قضية بعيدة عنها كل البعد، لكنها أصبحت فى القلب منها، لتقدم لنا قيماً جديدة فى معنى الدفاع عن الحق!.
وللعلم، فإن نيلسون مانديلا، الزعيم الإفريقى العظيم، ورغم زيارته إسرائيل، كان دائم الانتقاد لها بسبب معاملتها للفلسطينيين. ومنذ سنوات قلائل، تحديدًا عام 2019، خفضت جنوب إفريقيا مستوى التمثيل الدبلوماسى لدى إسرائيل، احتجاجًا على قتل الأخيرة متظاهرين فى غزة. هذه هى منظومة القيم التى أكدتها جنوب إفريقيا مرات عديدة، وأثبتت إيمانها العميق بها، وعلى رأسها قيم العدل والحرية والمساواة!.
بالطبع، فإن هذا الموقف النبيل يتناقض بقوة مع مواقف بعض دول العالم الأول، التى صدعت رؤوسنا ليل نهار بالحديث عن حقوق الإنسان والحرية، لتتجاهل هذا كله فجأة مع أول تعارض مع مصالحها!.
باختصار، فإن منظومة القيم تختلف من دولة إلى دولة، كما تختلف من إنسان لآخر، وفق إيمانه بتلك القيم. وفى قلب الأزمات، تظهر منظومة القيم الحقيقية، التى ربما تختلف كلية عن تلك القيم المعلن عنها!.