بقلم : محمد أمين
للصديق حقوق على صديقه إن كان حيًّا أو ميتًا.. من هذه الحقوق أن يبكى على صديقه عند رحيله، وإلا يكون الكلام عن الصداقة لا معنى له.. ولا أستطيع أن أمنع نفسى من البكاء على الدكتور سامى عبدالعزيز، عميد كلية الإعلام الأسبق، وكنت كلما نظرت إليه أجده مرهقًا مجهدًا فكنت أشعر بالأسى.. وأسأله: إنت عاوز إيه؟.. فيبتسم ويقول: لو قعدت هموت يا محمد!.. وكان يقنعنى فعلًا.. فى السنوات الأخيرة كان يكلمنى إما داخلًا إلى عملية، أو خارجًا من عملية، كأنه يُذكرنى ألا أنسى، ثم يخرج إلى موعد عمل فتجده قد رُدَّت فيه الروح!.
كان الدكتور سامى- رحمه الله- يؤمن بأن العمل حياة، والعمل عبادة.. ويقدم ما عنده قبل أن يموت فى خدمة الوطن وفى خدمة قطاع الإعلام.. وكنت كلما سألته عن شخص يقول فيه شعرًا ويتغنى بعبقريته ويقول: هقولك مفاجأة: تعرف فلان، كذا وكذا.. وكان يفرح بتلاميذه عندما يتفوقون، ويذكرهم بالخير.. لم أسمع منه كلمة سوء فى أى أحد كبيرًا أو صغيرًا.. وظل يعمل كأنه يرى فى أى قرار نقطة مضيئة، ويوضحها ويكشفها، وكانت لديه مهارات وأفكار لم تُتَحْ لغيره من الناس.. واكتشفت أن له علاقات بكل الزملاء على قدم وساق، وكل واحد كان يتصور أنه يخصه وحده بقدر كبير من التقدير، لكنها ميزة لم تُتَحْ لغيره أبدًا!.
كان أستاذًا جليلًا قادرًا على تبسيط علم التسويق والإعلام بطريقة مذهلة.. وكان يسأل: هل يمكننا تسويق فكرة أو قائد أو حزب أو دولة بنفس الطريقة التى نسوق بها الصابونة مثلًا؟.. ويقول: نعم، يمكننا تنفيذ حملات تسويقية تغير انطباعات أو سلوكيات وقيم الناس، ومواجهة الفساد.. كان يؤمن بالعلم فى عمليات تغيير السلوك، ويؤمن بالشباب فى تغيير الوعى، وكانت من أواخر مقالاته ما كتبه عن التغيير والوعى، ولكنه كان يميل إلى التغيير الهادئ، ولو قضى عمره كله يفعل ذلك. غلبت عليه شغلته كأستاذ جامعى!.
كل شىء يجعلنى أترحم عليه وأبكيه لأنه كان توفيقيًّا بسيطًا، وكان فى كل أموره أستاذًا جامعيًّا يبحث عن طريقة للكلام، ويبحث عن أسلوب للحل.. فكنتَ تجده منمقًا «شيك فى كل تصرفاته»، فهو يفكر أولًا ثم يرد.. وكان يسعد بكلمة حلوة من أصدقائه أو تلاميذه.. عاش ليعمل ويسمع كلمة حلوة.. فلما توقف عن العمل والاستماع لكلمة حلوة مات.. وكان حريصًا على أن يصل علمه، ولو إلى الحجر، يرحمه الله