بقلم : محمد أمين
الدكتور صلاح الغزالى حرب، أطال الله عمره ونفعنا بعلمه، صديق عزيز يعالجنى من الضغط والتوتر، وهو دائمًا يحذرنى من الانفعال والتوتر، وينتهز المناسبات والأعياد ليحذرنى من بعض المأكولات كالكعك والبسكويت والبيتى فور.. وأنا فى الغالب حريص جدًّا، لكنه يشعر بواجبه نحوى فيقدم النصيحة.. أمس، حذرنى من أكل الفسيخ والرنجة.. ولا أذكر أننى كنت أستعد لشم النسيم بالفسيخ والرنجة، جائز كنت أهتم بتلوين البيض.. من قبيل البهجة والاحتفال.. وهذه الأيام لا فسيخ ولا بيض!.
أعتقد أن باعة الفسيخ والسردين هم سبب كراهيتى لهذه المأكولات الموسمية من زمان.. كان الرجل يمر علينا فى يوم شم النسيم وقد جاء بصفيحتين واحدة للسردين وأخرى للملوحة.. كان الكثيرون ينتظرونه ويذهبون إليه مسرعين قبل ما يخلص.. كنت أشاهد المنظر فتعف نفسى عن السردين والملوحة وبالطبع الفسيخ والرنجة، فكبرت على عدم الألفة وعدم الهيام بها، كان السردين تشمئز منه النفس، فهو يأتى بأصناف درجة عاشرة للقرى، فانسحبت فكرتى عن السردين والملوحة على الفسيخ والرنجة فكانت القطيعة!.
صحيح أن الصنعة تغيرت وتقدمت وأصبحت محال الفسيخ أغلى من محال السمك، ولكنى كنت ومازلت أفضل السمك الطازج على السمك المملح أو المعفن.. وكان من الممكن أن أحتفل بشم النسيم دون فسيخ ولا ورنجة ولا بيض، وأكتفى برحلة نهرية فى النهر الخالد على مركب شراعى بسيط لأحد الصيادين.. وكانوا يتسابقون أيهم يفوز بالرحلة!، مع أنها رحلة مجانية معفاة من أى رسوم، ويقدم لك الشاى كمان!.
وعندما قدمت للقاهرة تغيرت طبيعة الاحتفال وحل محل النيل حديقة الزهور وحديقة الأسماك وحدائق الحيوان، والأولاد يُطيرون البلالين الملونة ويلعبون بالكرات الملونة ويأكلون البيض الملون!.
الآن، أصبح الاحتفال وأنت فى مكانك ترسل الورود الملونة وترسل التهانى بشم النسيم، وأنت فى مكانك على «فيس بوك»، تحتفل بورود إلكترونية، وفى أعياد الميلاد تحتفل بتورتات إلكترونية.. هكذا أصبحت الدنيا أسهل وأبسط، ولكنها بلا طعم، رغم ألوانها المميزة!.
كان يوم شم النسيم هو الصحبة والرحلات النيلية، وتحول شيئًا فشيئًا إلى المتنزهات وحدائق الحيوان بلا فسيخ ولا رنجة ولا سردين، وإنما خس وبيض.. وعلى ذكر الخس، فلا أنسى خس الجزيرة وفاكهة الجزيرة.. وهى جزيرة فى النيل تزرع بعض الخضار والفاكهة، وتشرب من مياه النيل مباشرة، فتشعر بحلاوة الطعم غير مياه الترع والمصارف ومياه الصرف الصحى، التى تذهب زراعاتها إلى بعض الأسواق العشوائية والباعة الجائلين فى بعض الأحياء، فتحس بمرارة الخضار!.
هذه فرصة للحديث عن ذكريات شم النسيم!.
كل عام وأنتم بخير وسعادة، ومصر فى أحسن حال يا رب العالمين