بقلم : محمد أمين
كنا فى رحاب مصطفى صادق الرافعى أمس، وتذكرت الرافعى وتاريخ النشيد الوطنى الذى يبدأ بهذه الكلمات التى كتبها مصطفى صادق الرافعى. فقد بدأ حياته شاعرًا، ثم وجد أن وعاء الشعر يقيّده، فاتجه إلى النثر، ثم إلى المقال، وكتب من وحى القلم. وكان يجب عليّ التنويه إلى أنه صاحب النشيد الوطنى الأول «اسلمى يا مصر»!.
فى بداية العصر الملكى عام 1923، أصبح نشيد «اسلمى يا مصر» النشيد الوطنى للبلاد، وهو من تأليفه، وألحان الموسيقار صفر على. وقد ولدت كلمات هذا النشيد فى أعقاب ثورة 1919، فجاءت معانيه مشبعة بروح الحماس والرغبة فى النصر، وظل يُستخدم نشيدًا لكلية الشرطة فى مصر حتى اليوم!.
ما أحوجنا إلى كلمات هذا النشيد اليوم، لتأكيد المشاعر الوطنية والحماس الوطنى، والدعاء لمصر بالسلامة، خاصة فى ظل حالة الاستهداف الدولى للبلاد، ورفع الروح المعنوية، وتأكيد حالة الاصطفاف حول الوطن والدفاع عنه بكل ما نملك. فهى كلمات تعكس الروح الوطنية والمشاعر الجيّاشة بعد ثورة 1919، ولهذا السبب كان النشيد مؤثرًا وله وقع كبير فى نفوس المصريين. وقد تناهى إلى مسامعى رغبة البعض فى عودة هذا النشيد بعد ثورة يناير، ولكن «بلادى بلادى» كان أقرب إلى الأجيال الحالية من نشيد الرافعى!.
لم يستمر الرافعى طويلًا فى ميدان الشعر، فقد انصرف عنه إلى الكتابة النثرية، لأنه وجدها أطوع. وأمام ظاهرة انصرافه عن الشعر، يتبين أنه كان على حق فى هذا الموقف، فعلى الرغم مما أنجزه فى هذا الميدان الأدبى من نجاح، ورغم أنه استطاع أن يلفت الأنظار، إلا أنه فى الواقع لم يكن يستطيع أن يتجاوز المكانة التى وصل إليها الشعراء الكبار فى عصره، وخاصة أحمد شوقى وحافظ إبراهيم، فقد عبّر هذان الشاعران عن مشاعر الناس وهمومهم فى هذا الجيل!.
كان هذا الزمن زمن الكبار من الشعراء والأدباء وحتى العلماء، وكان الرافعى من ضمن هؤلاء، ولكن التاريخ يذكره أديبًا وليس شاعرًا، فقد غطّى عليه شوقى وحافظ إبراهيم. ومع ذلك، قارنوه بالعقاد لأن الاثنين حصلا على الشهادة الابتدائية فقط واشتغلا بها، ولكنهما كانا علامة فى تاريخ الأدب والثقافة العربية. وقد أسعدنى أن وزارة التربية والتعليم تحتفى بالرافعى فى كتب الدراسة وتفرد له مساحة خاصة للتعريف به!.
وهذا يعنى أن مصر لا تنسى أبناءها الذين شرّفوها فى كافة المحافل. وكان مصطفى صادق الرافعى واحدًا من هؤلاء الذين رفعوا اسم مصر وشرّفوها، ودخل التاريخ بأول نشيد وطنى فى عهد الملك، وهو «اسلمى يا مصر»، ذلك النشيد الذى يردده طلاب كلية الشرطة حتى الآن!.