بقلم : محمد أمين
أسئلة الأطفال تعلمك أحيانًا.. وما تتعلمه من طفلك لا تنساه أبدًا ولا هو ينساه.. هذا طفل سأل والده سؤالًا عن مصطفى صادق الرافعى.. بابا: تعرف أن مصطفى صادق الرافعى من القليوبية ومن قرية بهتيم؟.. قال: أظنه من الغربية أو القليوبية.. ولكن لآ أعرف من أين على وجه الدقة.. قال الطفل: من بهتيم قليوبية.. وهو مقرر علينا فى هذا العام.. ولا أختبرك يا أبى إنما أنقل لك معلومة!.
مصطفى صادق الرافعى لقِّب بمعجزة الأدب العربى، وبشيخ أدباء العربية، ينتمى إلى مدرسة المحافظين وهى مدرسة شعرية تابعة للشعر الكلاسيكى.. تولَّى والده منصب القضاء الشرعى فى كثير من أقاليم مصر، وكان آخر عمل له هو رئاسة محكمة طنطا الشرعية. أما والدة الرافعى فكانت سورية الأصل كأبيه وكان أبوها الشيخ الطوخى تاجرًا تسير قوافله بالتجارة بين مصر والشام، وأصله من حلب، وكانت إقامته فى بهتيم من قرى محافظة القليوبية.
ولد مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعى العمرى فى يناير عام ١٨٨٠م، فى بيت جدِّه لأمِّه فى قرية بهتيم بمحافظة القليوبية وعاش حياته فى طنطا. يعود نسبه إلى الخليفة عمر بن الخطاب.. دخل الرافعى المدرسة الابتدائية فى دمنهور حيث كان والده قاضيًّا بها، وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق ثم أصيب بمرض يقال إنه التيفوئيد أقعده عدة شهور فى سريره وخرج من هذا المرض مصابًا فى أذنيه، واشتد به المرض حتى فقد سمعه تمامًا فى الثلاثين من عمره.
لم يحصل الرافعى فى تعليمه النظامى على أكثر من الشهادة الابتدائية، مثله مثل العقاد فى تعليمه، فكلاهما لم يحصل على غير الشهادة الابتدائية. وعلى فقده السمع كان الرافعى من أصحاب الإرادة الحازمة القوية فلم يعبأ بالعقبات، وإنما اشتد عزمه وأخذ نفسه بالجد والاجتهاد، وتعلم على يد والده وكان أكثر عمل عائلته فى القضاء!.
لم يستمر الرافعى طويلا فى ميدان الشعر، فقد انصرف عنه إلى الكتابة النثرية لأنه وجدها أطوع. وأمام ظاهرة انصرافه عن الشعر، يتبين أنه كان على حق فى هذا الموقف؛ فعلى الرغم مما أنجزه فى هذا الميدان الأدبى من نجاح، ورغم أنه استطاع أن يلفت الأنظار، إلا أنه فى الواقع لم يكن يستطيع أن يتجاوز المكانة التى وصل إليها الشعراء الكبار فى عصره، وخاصة أحمد شوقى وحافظ إبراهيم، فقد عبر هذان الشاعران عن مشاعر الناس وهمومهم فى هذا الجيل!.
يأتى الميدان الذى تجلت فيه عبقرية الرافعى ووصل فيه إلى مكانته العالية فى الأدب العربى المعاصر والقديم، وهو مجال المقال، والذى أخلص له الرافعى فى الجزء الأخير من حياته وأبدع فيه إبداعًا عجيبًا، وهذه المقالات جمعها الرافعى فكانت كتابه «وحى القلم»!.