بقلم : محمد أمين
هل تتخيل أن مارى كورى، التى حصلت على جائزة «نوبل» مرتين، إحداهما فى الكيمياء والأخرى فى الفيزياء، والوحيدة التى حصلت عليها مرتين فى مجالين مختلفين، لم يكن من طموحها استكمال تعليمها؟!. كانت تحب صديقًا، وتريد الزواج منه والبقاء فى البيت، حتى جاءت أختها، وحرضتها على استكمال التعليم لأن صديقها هجرها، بناءً على أوامر أسرته، فضاع حلم الزواج!.
هنا، قررت مارى كورى استكمال التعليم، عملًا بنصيحة أختها، وقررت أن تتفوق فى مجالها حتى بلغت فيه مبلغ العلماء، وحققت جائزة «نوبل». هذه قصة ملهمة لمعلمة خصوصية عملت فى بيت أحد النبلاء، انتهى بها المطاف إلى أن تصبح من عظماء التاريخ، وتُدفن فى مقبرة العظماء!.
وعندما تتصفح صفحات من حياتها، تجدها مولودة فى وارسو ببولندا، ثم عاشت فى فرنسا، وأصبحت عضوًا فى جامعتى باريس والسوربون، وتتقن اللغات الروسية والبولندية والفرنسية والألمانية والإنجليزية. وبالمناسبة، «ماري» ليس اسمها الأصلى، وإنما اسمها «سكولودوسكا»، وغيّرته عندما انتقلت إلى باريس ليصبح اسم شهرتها!.
ومن أسباب شهرتها أبحاثها عن النشاط الإشعاعى للبولونيوم والراديوم. وصارت مارى كورى ملء السمع والبصر، فى حين أن التاريخ لا يذكر شيئًا عن الشاب الذى كانت تحلم بالزواج منه.
تقول المصادر إن مارى ابنة لرجل كان يعمل معلمًا لمادتى الرياضيات والفيزياء، لكنه خسر جميع مدخراته، فاضطرت ابنته، مارى، أن تعمل لتمول تعليم أختها فى مجال الطب. وفى ذلك الوقت، انضمت بشكل سرى إلى حركة قومية تُدعى «الجامعة الحرة»، حيث اهتمت بتثقيف النساء العاملات.
خلال الحرب العالمية الأولى، أسست أول مركز إشعاعى عسكرى، ورغم حصولها على الجنسية الفرنسية، لم تفقد مارى إحساسها بهويتها البولندية، فقد علمت بناتها اللغة البولندية، واصطحبتهن فى زيارة إلى بولندا. وأطلقت على أول عنصر اكتشفته البولونيوم، نسبة إلى وطنها الأصلى.
وتُوفيت مارى عام 1934 بمرض فقر الدم، الذى أُصيبت به نتيجة تعرضها للإشعاع لعدة سنوات. أسهمت أعمال ومجهودات مارى كورى، العلمية والاجتماعية، فى تشكيل صورة العالم فى القرنين العشرين والحادى والعشرين. يقول أحد العلماء إن أعمالها أسست عهدًا جديدًا، كان النشاط الإشعاعى للراديوم عظيمًا بحيث لا يمكن تجاهله. وأعادت النظر فى أسس الفيزياء على المستوى التجريبى. وتغلبت على العقبات التى وُضعت فى طريقها لا لشىء إلا لكونها امرأة وأجنبية. وأصبحت مارى رائدة إنسانية.
كان زوجها بيير كورى زميلًا لها فى العمل، وعملا معًا، وأنجبا ابنتين، عملتا لاحقًا معها فى أبحاث الراديوم. وبعد وفاة زوجها المفاجئة عام 1906، عرضت عليها الجامعة أن تتولى التدريس مكانه، لتصبح بذلك أول امرأة تتولى التدريس فى جامعة السوربون.