بقلم : محمد أمين
هناك محطات أخرى في حياة أحمد لطفى السيد، لم أتطرق إليها في مقال أمس، وأستكملها، اليوم، لبيان الصورة الكاملة لمسيرة أستاذ الجيل، فقد عاد أحمد لطفى السيد إلى وظيفته في النيابة، وظل بها حتى ترك العمل بالقضاء في عام 1905م، واشتغل بالمحاماة، ثم لم يلبث أن ضاق بها؛ فتركها إلى العمل بالصحافة والسياسة!.
كما اشترك مع جماعة من أعيان مصر في تأسيس «حزب الأمة» سنة 1907م، حيث كان هدف الحزب الرئيسى هو المطالبة بالاستقلال التام والدستور، وتولى هو سكرتارية الحزب، وترأس صحيفته المعروفة باسم «الجريدة»، وجعلها منتدى أهل العلم والأدب والرأى الصحيح!.
المحطة التالية تعيينه مديرًا لدار الكتب المصرية، في الفترة ما بين سنتى 1915 و1918م، فترجم بعض أعمال أرسطو، ودعا إلى ترجمة الكتب الأخرى، وندب مَن وثق بهم للاضطلاع بنقل الثقافة الغربية إلى العربية، موقنًا بأن نهضة أي أمة في بداياتها، إنما تقوم على الترجمة، التي هي بمثابة التمهيد بالاحتذاء، ثم الخلق والأصالة!.
وبعد أن انتهت الحرب العالمية الأولى في عام 1918، استقال أحمد لطفى السيد من دار الكتب، واشترك مع «سعد زغلول» و«عبدالعزيز فهمى» و«على شعراوى» وغيرهم في تأليف وفد للمطالبة باستقلال مصر، وكان من شأن المطالبة أن نُفى سعد زغلول ورفيقاه إلى خارج البلاد، فاشتعلت البلاد بثورة 1919 العارمة، وظل أحمد لطفى السيد في القاهرة يحرر بيانات الوفد ومذكراته، وتطور الأمر إلى رضوخ بريطانيا للتفاوض!.
وتشكلت وزارة حسين باشا؛ فأفرجت عن الزعماء المنفيين، وسافر لطفى السيد مع الوفد المصرى إلى باريس لعرض مطالب مصر على مؤتمر الصلح بباريس. ولما اشتعل الخلاف بين «عدلى يكن»، رئيس الوزراء، و«سعد زغلول»، زعيم الثورة، في عام 1919م على رئاسة المفاوضات مع بريطانيا، اعتزل أحمد لطفى السيد العمل السياسى، وعاد إلى العمل بدار الكتب مديرًا لها. كما اشتغل بالجامعة الأهلية، (جامعة القاهرة حاليًا)، وكيلًا لها، وظل مديرًا لدار الكتب حتى مارس 1925.
وقد عُين مديرًا للجامعة المصرية، بعد أن أصبحت حكومية، وفى عهده اتسعت الجامعة؛ فضمت إليها كليات الهندسة والحقوق والتجارة والزراعة والطب البيطرى وغيرها!.
ودافع أحمد لطفى السيد عن استقلال الجامعة، فقام بتقديم استقالته من منصب مدير جامعة القاهرة، في 9 مارس 1932، احتجاجًا على قرار وزارة «إسماعيل صدقى» بنقل طه حسين إلى وزارة المعارف، وقدم استقالته احتجاجًا على هذا التدخل، كما قدم استقالته مرة أخرى سنة 1937م احتجاجًا على اقتحام الشرطة الجامعة للاجتماع التأسيسى لجريدة «الجريدة» والمساهمين من الأعيان وانتخاب أحمد لطفى السيد رئيسًا لتحريرها!.
دعا أحمد لطفى السيد جماعة من أصدقائه ومعارفه من الأعيان والمثقفين إلى اجتماع بفندق الكونتننتال، وعرض عليهم فكرة إنشاء جريدة، وصفها بأنها «مصرية حرة، تنطق بلسان مصر وحدها دون أن يكون لها ميل خاص إلى تركيا أو إلى إحدى السلطتين الشرعية والفعلية في البلاد»، حسبما يذكر في مذكراته «قصة حياتى».