بقلم : محمد أمين
ولأننا في رمضان وذكريات رمضان.. أتذكر الآن الأستاذ جمال بدوى، صاحب القطايف، الكاتب السياسى الراحل.. فهو الكاتب الذي اشتهر بكتاباته التاريخية، حتى لُقب بالمؤرخ الصحفى، شيخ الصحفيين المؤرخين. كانت كتاباته عن فترة المماليك والطغاة والبغاة.. ولكنه حين تقاعد من الكتابة الصحفية، ورأى أنه لم يعد لديه ما يقوله، اتجه إلى لون جديد من الصحافة التليفزيونية، فعمل القطايف، وكان يقدم القطايف بطريقة محببة تشد المشاهدين!.
لكن المثير أنه كان يستطيع أن يتنقل من الصحف إلى التليفزيون، وهى مسألة لم تكن تُتاح له في زمن آخر. كما أنه نال العديد من الجوائز التي تمنحها الدولة دون أن يعاقبه أحد على أفكاره لأنها كانت وطنية، فحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، كما حصل على الجائزة الأولى من جريدة الشرق الأوسط عن أفضل مقال.. وحصل كتابه «أنا المصرى» على أوسكار أفضل كتاب في المعرض الدولى للكتاب عام 2004.. وكتب عن الوحدة الوطنية بديلًا للفتنة الطائفية، وكتب عن المسلمين والأقباط وفى محراب الفكر!.
المهم أن علاقتى به بدأت من عملى في «الوفد» عندما كان مديرًا للتحرير، وكان الأستاذ مصطفى شردى رئيسًا للتحرير، وكان شديدًا في العمل ومخيفًا للزملاء، لكنه في حقيقته كان طيب القلب، لا يظلم، ولكنه يحقق في أي مشكلة كأنه وكيل نيابة، فإذا أردت أن تذهب إليه دون خوف، فلتكن صاحب حق لأنه يوقع عقوبات قاسية جدًّا تصل إلى الفصل أحيانًا!.
كانت له سلسلة مقالات عن نكبة البرامكة، وكلها كانت من نوع الإسقاط السياسى، فكأنه يقول من التاريخ ما لا يستطيع أحد أن يقوله في الواقع!.
وظهرت كتابات تكتب في كل شىء ما عدا السياسة.. وتخيل أن حزبًا سياسيًّا كبيرًا مثل الوفد كان يكتب عن قصص الحيوانات وكليلة ودمنة وغيرها، فكان يشعر بالاختناق من السياسة، فراح يكتب في التاريخ والثقافة، ورأى أنه البديل لتعليم الناس الديمقراطية، ومضى في هذا المسار إلى آخره، وأبدع في إصدار عشرات الكتب، إلا أن الدولة كانت في هذه الفترة تفصل بين السياسة والثقافة، ولا تعاقب الكُتاب على مواقفهم السياسية.. كانت هناك أسماء تميز وتعرف حق الناس ومكانتهم وتفتح لهم بابًا آخر!.
هؤلاء هم الذين فتحوا له الباب في التليفزيون لتقديم القطايف، وهو تحول كبير جدًّا، فقد كانت الدولة تنقل كُتاب الصحافة من أعمالهم إلى «باتا» في وقت سابق!.
كانت القطايف عملًا صحفيًّا وسياسيًّا، ولم تكن عملًا من أعمال الشيف الشربينى، مع احترامى للشيفات كلهم، وتعلمنا منه أشياء كثيرة في السياسة كان يقولها بسخرية شديدة وابتسامة رائعة!.
وأخيرًا، لا أكتب عن جمال بدوى بدوافع إنسانية، ولكن بدافع مَن يعرف قيمة الرجال.. رحم الله الأستاذ جمال بدوى، وأكرمه بقدر ما حاول خدمة الوطن والتنبيه إلى أهمية الديمقراطية!.