بقلم : محمد أمين
يدفعنى ثراء رسالة الدكتوراه التى أنجزها الزميل أسامة زايد، لأن أواصل اليوم الكتابة عنها، خاصة أنها تذكرنى بجولتى فى صعيد مصر ودخول كثير من المقابر الفرعونية، والاستماع للشرح حول القيم والمبادئ التى تركها الفراعنة، ومعرفتهم بالحياة الأبدية كما عرفناها فى كتب الفقه الإسلامى.
وتطرقت الدراسة إلى القيم والمبادئ الأخلاقية والرقى والنضوج الفكرى لدى المصرى القديم والتى تناولتها- كتب الآداب والحكم والأمثال- فيما عُرف بمسألة محاكمة الموتى والميزان، وأنَّ الحياة الدنيا ما هى إلا صراع بين الخير والشر وسوف يأتى يوم للحساب يقتص فيه الإله من الظالم وترد الحقوق إلى أصحابها، مما يبرهن على عمق الفكر الدينى وثرائه وتنوعه وإيمانه الثابت!
وتناولت الدراسة أيضًا نعيم المصرى القديم فى عالمه الأخروى «الجنة»، والتى صورها على أن بها أنهارًا من خمر وعسل مصفى وليس بها تعب ولا نصب وفيها فواكه من عنب ورمان، وبها تزاور الرجل مع زوجته وأهله وأحبائه، كما يوجد فيها كل المتع الحسية والجسدية، وهذا ما يتفق مع الفكر الإسلامى!
اندهشت أن المصرى القديم كان يعرف كل ذلك قبل الديانات وقبل الرسل أيضًا.. وتحدثت الدراسة عن أساليب تنوع عقاب المذنبين والملعونين، سواء بالحرق فى بحيرات أو حفرات أو مراجل النار.. والحقيقة التى لا يستطيع أحد أن يُغفلها من الباحثين أنَّ المصريين القدماء تركوا لنا تراثًا إنسانيًا من الآداب والحكم والأمثال توارثتها الأجيال جيلًا بعد جيل، وكانت نبراسًا يضىء لهم الطريق عبر العصور والأزمان، سابقة بذلك كل الأديان والرسالات السماوية، ويهدف بها معانى أسمى ومقاصد أنبل تخلد ذكراه وترفع من شأن قومه وفيها سبل الفلاح والنجاح فى الحياة الدنيا وتجعله مقبولًا فى عالمه الأخروى.
كما أنَّ التفكير فى الموت والأبدية كان حافزًا يدفع الإنسان إلى أن يسلك الصراط السوى فى الحياة الدنيا مخافة الله، إذ إنَّ الله هو الذى يسعد ويشقى!
وتوصلت الدراسة إلى أن إيمان المصرى القديم بالحياة الآخرة كان نتيجة لمنبع إلهى، وأنَّ التحريف فى العقائد يرجع إلى الهوى وضلال النفس وعبث الكهنة فى الحفاظ على مكانتهم ومكاسبهم المالية والمادية.
وأخيرًا فإن أغلب معتقدات المصريين القدماء الدينية لم تخرج عما نادت به الرسالات السماوية التى بعثها الله (على أيدى الأنبياء والرسل). واعتقد المصريون القدماء أن الروح كائن حى مستقل عن جسد الإنسان، ويمكنه أن ينضم إليه عند الموت ويقف بجانبه موقف إخلاص!.. ولولا اعتقاد المصريين القدماء بالحياة الآخرة ما وصل إلينا شىء عن الآثار والتماثيل والأهرامات الضخمة التى تحكى لنا تاريخ الحضارة المصرية القديمة!
وفى ختام البحث، دعا الباحث أسامة زايد إلى ضرورة اهتمام الجامعات والمعاهد العليا بتعلم اللغة المصرية القديمة فى محاولة جادة لإعادة كتابة تاريخ الحضارة المصرية القديمة بعيدًا عن الكتابات الغربية وضرورة توضيح الصورة الحقيقية للحضارة المصرية القديمة من خلال عقد الندوات والأبحاث العلمية فى المدارس والجامعات لإزالة اللبس عما أُلصق بها من أنَّ ديانتها كلها وثنية!.