بقلم : محمد أمين
اهتم الناس أمس بواقعة الطيار الأمريكى الذى أشعل النار فى نفسه، وقال قبل أن يموت: «فيفا بلاستين».. ليعبر عن احتجاجه بأشد أنواع الاحتجاج على ما يحدث فى غزة، وترك بعض التساؤلات: لماذا يموت منتحرًا؟.. ولماذا يُشعل النار فى نفسه وهو طيار؟.. ألم يكن فى مقدوره أن يركب طيارته ويدخل بها فى البيت الأبيض مثلًا؟.. أو يدخل بها فى منشآت إسرائيلية؟!
أقول هذا فرق ثقافة.. هو محتج على الأوضاع وتأثير ذلك أقوى، وأظن أن رسالته وصلت، ولكنه لو ضرب البيت الأبيض سيكون إرهابيًا خائنًا، وهو ليس كذلك، ولن يتعاطف معه أحد مهما ترك من رسائل مكتوبة أو مسجلة.. العالم فى الغالب يعرف كيف يتعاطف مع المظلوم، وقد قام مئات الآلاف بالاحتجاج السلمى داخل أمريكا على ما يحدث فى غزة، ولكنهم لا يتعاطفون مع أحد يخترق بطائرته مثلًا البيت الأبيض أو الكونجرس أو البنتاجون!
والثقافة هى خلاصة ما يكتسبه الإنسان فى حياته من عقائد وفنون وقيم وعادات وتقاليد وتعليم ومشاعر، إلى غير ذلك، وبذلك تكون الثقافة عبارة عن تاريخ الإنسان المتراكم عبر الأجيال!
وبالمناسبة يوجد اختلاف كبير بين ثقافة بلد ما وبلد آخر، حيث تعددت الآراء التى تدور حول مفهوم الثقافة، فهنالك من يرى أنّها صفة مكتسبة، أو كيان مستقل عن الأفراد والجماعات، باعتبار تلك المفاهيم جميعًا تدور حول معنى واحد، وهو أنّ الثقافة مركب يتكون من مجموعة مختلفة من ألوان السلوك، وطريقة التفكير، والتكامل، والتوافق فى الحياة التى اتفق أفراد مجتمع ما على قبولها، مما جعلهم يتميزون بها عن غيرهم من باقى المجتمعات، كما يدخل فى ذلك المهارات والاتجاهات التى يكتسبها أفراد المجتمع، والتى تتناقلها الأجيال من جيل لآخر فى صورٍ وأشكالٍ مختلفة عن طريق الاتصال، والتفاعل الاجتماعى، ونقل تلك الخبرات من جيل إلى جيل، كما يمكن تناقلها مثلما هى أو يضيفون عليها وفق تغير الظروف وحاجتهم ولكن جوهرها ومضمونها يبقى كما هو.
وحسب دراسات متخصصة تقول إن الظروف البيئية تلعب دورًا كبيرًا فى اختلاف الثقافات، مثل المناخ، والأرض، والموارد الطبيعية، حيث إنّ اختلاف البيئة يؤثر بشكل كبير فى شكل الأفراد، والسمات الشخصية، فمثلًا يتميز البدو بالقوة، والشجاعة، والتحمل التى ميزتهم عن غيرهم من الثقافات الأخرى، فى حين يتميز سكان المناطق الحضرية بالترف والاستكانة، فى حين يتميز سكان المناطق البحرية بالانفتاح والمرونة!
باختصار، لكل ما سبق وجدنا أن الطيار الأمريكى لا يعبر عن احتجاجه بإفراغ حمولة طائرته فوق البيت الأبيض أو البنتاجون مع أنه يعرف أن البيت الأبيض يدعم إسرائيل فى إبادة أهل غزة، وهو لا يملك أى شىء.. فلم يعرف من الاحتجاج إلا أن يعبر بأشد أنواع الاحتجاج، وهو إشعال النار فى نفسه، هذا هو فرق الثقافة!
لا تتعجب، فعندنا نقول إنه عمل بطولى ولكن لا تترحموا عليه.. هذا فرق الثقافة أيضًا!.