بقلم : محمد أمين
مهما كتبت عن العظمة فى تعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى فلن أستطيع تصوير المشهد المبهر كما تشاهدونه على الطبيعة.. كان هناك آلاف السياح منبهرين مثلى.. للأسف حين زرت معبد أبوسمبل كنت فى شهر فبراير، وليس أكتوبر مثل أمس.. كنت قادمًا من النوبة وليس من الأقصر.. نمنا قبلها ساعة أو ساعتين، حتى نقوى على السهر حتى الصباح، وانتظار لحظة الشروق!
كان أتوبيس الشركة ينتظرنا فى الوقت المحدد وهم يحسبون الرحلة بالثانية، لم يكن هناك مجال للتلكع.. خرجنا من الغرف فإذا الدنيا برد شديد، كأننا خرجنا إلى جو يشبه برد الفريزر، والهواء يضرب الوجوه ويزيح عنا الثياب.. دلفت إلى الأتوبيس فشعرت ببعض الدفء والراحة.. كان البعض يحتمى بالجواكت الجلد الثقيلة.. وكنت أفكر فى الرحلة عندما كنت فى القاهرة!
كانت النصيحة أن نرتدى ملابس ثقيلة.. وأخذت أفاضل بين الجاكت الجلد والبالطو والعباءة الصوف.. اخترت العباءة وهى من نوع الوبر السميك المبطن بالصوف من الداخل وكانت أفضل من البالطو.. فهى الأفضل فى محيط معبد أبوسميل المكشوف من كل الجوانب وينزل فيها البرد كأنه رصاص!
مدينة أبوسمبل السياحية تشهد حدثًا فلكيًا فريدًا، تعانق فيه الشمس وجه الملك رمسيس فى ظاهرة جسدها قدماء المصريين قبل آلاف السنين داخل معابدهم الأثرية، لتجسد بذلك واحدة من أعظم الأعمال الهندسية عبر التاريخ، من حضارة الأجداد على أرض مصر، يحضر هذه الظاهرة آلاف السياح من العالم يأتون إليها على وجه الخصوص.
وجدت سائحة تلتف ببطانية الفندق، لتحتمى من البرد، وحين أصبحت أمام ضابط السياحة نظر فى وجهها وقرأ بطاقتها وسمح لها فى أدب جم بالدخول، هذه السائحة أعطتنى مبررًا لكى ألتف بالعباءة واضعًا التلفيحة على رأسى، وأقدم البطاقة للضابط فقرأها فى هدوء وسمح لى بابتسامة.. ضباط محترفون فى غاية الأدب!
تقريبًا وقفنا فى طوابير نرتدى الكمامات ونبتعد عن بعض خشية الإصابة بكورونا، ووقفنا نغنى الأغانى الوطنية ونهتف باسم مصر.. هذه طبيعة المصريين فى كل محفل.. عندنا مناسبة للشعور بالفخر.
والأجانب يلتفون حولنا ويغنون معنا بعضهم كانوا من الجاليات الأجنبية، وبعضهم ربما كانوا من البعثات الدبلوماسية فى وقت من الأوقات.. هناك من ارتبط بمصر وعاش فيها ويعرفها أكثر من بعضنا.. ويحرص على زيارة الأقصر كل عام فى هذا الوقت من السنة!
وتمضى الساعة بطيئة حتى نقترب من لحظة الشروق، يبدأ الصياح من كل الموجودين عدا البعض يظل طوال الوقت صامتًا لأنه يتعبد بالفعل فى معبد أبوسمبل!
هذه ظاهرة فلكية فريدة سطّرها أجدادنا من آلاف السنين، تتكررر مرتين كل عام فى فبراير وأكتوبر.. المهم أن الشمس لا تتعامد على وجه الإله بتاح، إله الظلام، مع أنه بجوار رمسيس ورع وآمون.
وهو يعكس ظاهرة فلكية نادرة، واليومان يتزامنان مع مولد رمسيس الثانى ويوم تتويجه على العرش.. مشهد لا تستطيع الكلمات وصفه ولا تُغنى أبدًا عن الزيارة!.