بقلم : محمد أمين
لا أحب الاحتكار بكل صوره، ولا أحب المحتكرين.. وعشت أقاوم صور الاحتكار مهما كلفنى ذلك.. أحب الحرية والفضاء الرحب والجمال ونسيم الحرية والورد وأغانى أم كلثوم.. وقررت مؤخرًا أن أزرع الورد، وإن كان شراؤه أسهل.. الفكرة فى الاستدامة.. فمن الممكن أن أشترى الورد، ولكنها ستبقى مرة، وكل مرة أحتاج إلى الورد سأشتريه.. لكن عندما يكون الورد فى حديقتى فسيكون موجودًا باستمرار يملأ المكان بهجة ويفوح بالعبير!.
منذ شهرين، زرعت بلكونتى بالأزهار والورود والفل والياسمين والريحان والعطر والنعناع.. وزرعت بعض أعواد الطماطم والفلفل.. وقلت فلفلة من بيتى أحسن من كيلو عند الخضرى.. وكانت فرحتى بأول قرن فلفل لا تُوصف، فهو فلفل أورجانيك لم يشم رائحة السماد، ولا أحكى لكم عن طعمه عندما أكلته مع الجبن الدمياطى الطرى، ولا أحكى لكم عن شاى العصارى مع أم كلثوم فى وسط هذه الجنة!.
صحيح أن زراعة هذه الأشياء كلفتنى كثيرًا، ولو أننى أشتريتها لكان ذلك أرخص وأسهل.. خاصة أننى كلما سافرت كنت أجد مشكلة فى البحث عمّن يتعهد الزرع، فهو روح، ولا يصح أن تترك زرعًا أو حيوانًا وتسافر دون تقديم الطعام والشراب والرعاية أيضًا له!.
واتتنى فكرة أن يكون عم نبيل الجناينى فى المنطقة هو مَن يراعى الزرع فى غيابى، فقد قام هو بتأسيس هذه الحديقة الجميلة، وتركنى مع بعض التعليمات، ومضى، فقلت ليكن عم نبيل مَن يرعى الحديقة فى غيابى، وأصبح علىَّ أن أنقل الزرع فى كل مرة إلى مكانه، ثم أعيده إلى البيت عندما أعود!.
الجو هذا الصيف كان ساخنًا، ولا يُطاق، وقد تأثر الزرع كثيرًا، فطلبت منه أن يقوم بتعويض التالف منه بزرع جديد، فزرع بعض الياسمين مرة أخرى، ووجدته مزهرًا، فشكرته، ووجدت بعض الورد البلدى، فقد اعتنى به حتى كدت لا أعرفه!.
كلفنى الزرع كثيرًا، ولكن كما يُقال «الغاوى ينقط بطاقيته»، وأنا لا أدخن، فلتكن الزراعة هى الكيف، بديلًا للسجائر، من ناحية ستملأ المكان بهجة، وستساعد على تغيير المود، ونشر الروائح الطيبة فى المكان، ولا أحكى لكم عن رائحة الفل والياسمين فى الصباح.. فحين تقول صباح الفل والياسمين ستكون حقيقة تحسها وتلمسها وتشمها!.
شعورك بالجمال يتضاعف عندما ترى حديقتك التى صنعتها بنفسك فى بيتك، فلا تحسب كل الأشياء حولك بالماديات، الاستمتاع فى الحياة يحتاج إلى مجهود وتكلفة، ويحتاج إلى صور أخرى من الجمال.. لا تقل إن «شراء العبد ولا تربيته»، بالعكس تربيته أحسن، وكل تعب له عائد أكبر من الاستمتاع، عندما تفتح الباب وتشم الهواء المعطر فى ساعة من ليل أو نهار!.
باختصار، جربوا الزراعة فى البلكونات والسطوح، وازرعوا الأشجار والأفكار واستمتعوا بالجمال، واكسروا الاحتكار، حتى ولو كان فى الورد!.