بقلم - أمينة خيري
أطالع ما يطالب به البعض من ضرورة تدشين إنترنت عربى بمنصات تواصل اجتماعى عربية، وذلك بعد ما فوجئت الملايين بهذا الكم من الانحياز والتضييق على الآراء ومصادرة التعبير التى نعرفها جميعًا منذ سنوات طويلة، ولكنها تجلت فى الأيام القليلة الماضية، وتحديدًا منذ «الطوفان».
وفى غمرة الاندفاع فى التعبير عن مشاعر الفرحة، على اعتبار أن ما جرى من «طوفان» هو انتصار كبير لفلسطين والعرب، وأن الطريق نحو الأقصى بات يلوح فى الأفق القريب.. إلخ، وهى الغمرة التى غمرت الآخرين ممن لم يعتبروا المشاهد التى بثها «الإعلام العسكرى» لحركة حماس نصرًا أو حتى حقًا أصيلًا ردًا على جرائم إسرائيل، بل رأوها من وجهة نظرهم اعتداءً على مدنيين وتنكيلًا بنساء على إيقاع التكبير، وحين بحثوا فى تطبيقات الترجمة.. هالهم أن يقول البعض إن «الله أكبر» بينما «يروع» نساء، وذلك دون النظر والبحث والتنقيب فى تاريخ عمره 75 عامًا، انطلق الجميع يعبر عن موقفه مما جرى دون تدخل كبير من الشركات المالكة هذه المنصات.. ثم بدأ التضييق والمنع والرقابة والإبلاغ والتوقيف لكل من يكتب داعمًا لفلسطين والإبادة التى يتعرض لها إخوتنا فى غزة. وهنا أطرح عدة تساؤلات استفسارية أكثر منها استنكارية: هل الحل يكمن فى ابتكار إنترنت عربى ومنصات تواصل اجتماعى عربية؟ هل لدينا القدرة على ذلك، أم هى مطالبة انفعالية تعكس الشعور بالقهر والظلم والتعرض للتضييق لمجرد التعبير عن الرأى؟.
وحتى فى حال لدينا القدرة والمال والأدمغة على «تصنيع» إنترنت عربى ومنصات تواصل اجتماعى عربية، هل سيسعفنا الوقت لابتكارها وتدشينها ونقل ملايين العرب من المنصات «المتحيزة» إلى منصاتنا «غير المتحيزة»؟ وإذا نجحنا فى صناعة إنترنت عربى ومنصات تواصل اجتماعى عربية خاصة بنا، ونجحنا كذلك فى تهجير ملايين المستخدمين العرب ونزوحهم صوب الإنترنت العربى، وفى حال نجحنا فى ذلك، هل ستكون بالفعل منصات تواصل اجتماعى بالمعنى المقصود من حيث كونها فى الأصل كما قيل لنا وقت غزت العالم إنها أدوات تمكين وتعبير وإطلاق العنان للأفكار والرؤى وتبادل وجهات النظر، أم أننا سنضع قائمة قد يراها البعض جامدة معرقلة مما يصح أن نكتبه وما لا يصح، ما يُسمح بالتعبير عنه وما يندرج تحت بند ازدراء الدين أو التنمر بالعادات أو التربص بالتقاليد، إلى آخر القائمة؟ وحتى إذا نجحنا فى تدشين «إنترنتنا» و«منصاتنا» بالصورة التى نعتبرها مُثلى، نعود إلى السؤال الأكبر والأهم: أليس اسمها «تواصلًا اجتماعيًا»؟.
بمعنى آخر، حين نوصد الباب ونغلقه بالضبة والمفتاح على أنفسنا، لأننا غضبنا من التضييق على المنصات العالمية، هل سعادتنا بالاكتفاء بالتواصل الداخلى، واقتصار معاركنا على تلك الهامشية التى ننعت فيها بعضنا بالجهل والخيانة وعدم الفهم والإدراك لمجرد الاختلاف فى الرؤى، هل سنكون قد نجحنا فى تلقين الغرب «الشرير» درسًا، ووصّلنا صوتنا للدفاع عن الضعيف والمكلوم والمغبون حقًا؟!.