بقلم - أمينة خيري
كما هو متوقع، استأنفت إسرائيل عملية دك غزة، وهذه المرة عملية الدك لا تقتصر على شمال القطاع الذى طالبت سكانه بالرحيل صوب الجنوب حتى تتمكن من القضاء عليه تمامًا، بل امتدت للجنوب. تمضى إسرائيل فى حربها على القطاع، ردًا على عملية «حماس» يوم 7 أكتوبر، وهى العملية التى «جتلها على الطبطاب». «المقاومة» تقوم بعملية تحرج الساسة الإسرائيليين، تحتجز بضع عشرات من الإسرائيليين وتأخذ فى طريقها بضعة عمال من جنسيات آسيوية «كمالة عدد»، لكن الأهم النساء والأطفال والرضع لما لذلك من أثر بالغ على الداخل الإسرائيلى وقدرته على الضغط على الإدارة الإسرائيلية لزحزحة القضية وحلحلة الجمود لنيل بعض المكتسبات (شخصيًا لا أرى إمكانية حدوث ذلك).
يدرك قادة «المقاومة» نوعية وحجم وماهية الرد الإسرائيلى على عمليةٍ كلتك. الخسائر فادحة، والأرواح البريئة والأطفال الملائكة والنساء اللاتى لا حول لهن ولا قوة، والشباب يحملون الآباء والأمهات من كبار السن، وعمليات القتل والدك تجرى على الهواء مباشرة، والنزوح بالآلاف يتم توثيقه وبثه على الشاشات على مدار الساعة، ولا مانع من قصف مدرسة تابعة لهيئة أممية نزحت إليها الآلاف فتتعاظم الكارثة وتتفاقم المشاهد لدرجة اللامعقول، وهنا يضغط الرأى العام الغربى على ساسة الغرب الذين يضغطون بدورهم على ساسة إسرائيل من أجل حل القضية الفلسطينية المعلقة فى الهواء على مدار 75 عامًا، ويتم الوصول لحل يرضى الفلسطينيين والعرب، سواء كان حل الدولتين أو غير الدولتين. مرة أخرى، لا أرى المشهد بهذه السهولة الدموية أو البساطة القاتلة، ولكن هذا لا يهم الآن. الآن ما يجرى هو أن إسرائيل تمضى قدمًا فى خطةٍ ما ملامحها واضحة منذ اليوم التالى لـ «طوفان الأقصى». الانتقام الغاشم بالطبع واضح، ولكن فرصتها ذهبية لكسر الشوكة المعترضة حلقها، شوكة غزة. تسوى بنيتها بالأرض، تجعلها مكانًا غير قابل للحياة الآدمية، تضغط على السكان بين سلسلة قصف وأخرى بدءًا بالشمال لينزحوا صوب الجنوب، ورويدًا رويدًا يجد السكان أنفسهم والقصف والدك وراءهم والحدود والمعبر أمامهم. دعك عزيزى من كل الوثائق التى ظهرت فجأة، والتى تمت صياغتها وتجميعها على مدار عقود لخطة تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها البشرى. لذلك استخدمتُ عبارة «جتلهم على الطبطاب» فى إشارة إلى عملية «طوفان الأقصى».
التاريخ يخبرنا أن العالم هاج وماج عشرات المرات بسبب عمليات إبادة وقتل جماعى وسفك دماء، وتستمر المشاعر المحتقنة أسابيع وربما أشهرًا أو حتى بضع سنوات، لكنها تهدأ ويعود الجميع إلى حياته العادية دون حساب المعتدى أو معاقبة الظالم. يبدو أن المسألة لم تعد مجرد تحويل القطاع قطاعين، ولكنها ربما حشر سكان غزة على الشريط الحدودى، وباقى السيناريو يسهل تخيله، وعمليات تحميل مصر ما لا تحتمل تسهل قراءتها وستكون مدعومة بحسن وسوء نية من قبل كثيرين فى الداخل والخارج. وتبقى الثقة كبيرة وعظيمة فى القيادة المصرية.