بقلم - أمينة خيري
يسمونها الـ «فينيشينج» أو«التقفيل»، وفى الأمثال الشعبية يقال: «بوظ (أفسد) الطبخة علشان شوية ملح». هى إحدى آفات عملنا وصناعتنا وخدماتنا. وليس مبالغة لو قلنا إن سوء «التقفيل» أو رداءة «الفينيشينج» باتت ثقافة، جزء منها «اللكلكة» معروفة، والجزء الآخر قلة أو انعدام رقابة ومحاسبة. الجميع يعرفها ويتوقعها، وفى حال اشترى منتجًا محليًا يتمتع بدقة «التقفيل» يقف أمامه دقيقة وهو لا يصدق عنينيه. يعاود قراءة بلد المنشأ مرارًا وتكرارًا، فإن تأكد منه، انتقل لا إراديًا بعينيه باحثًا عن اسم المصنع أو الشركة التى فلتت من غول اللكلكة وآفة الـ «فينيشينج» بالغ الرداءة. بالطبع هناك منتجات بلغت درجة من الدقة والروعة ما يجعلها تنافس مثيلاتها غير المصرية، لكن تبقى القاعدة فى حاجة إلى مراجعة ومحاسبة ومواجهة. كتبت قبل أشهر أن الأزمة الاقتصادية فرصة ذهبية للعديد من المنتجات المصرية لتطرح نفسها بديلًا جيدًا لمنتجات مستوردة كثيرة.
ورغم الفرصة التى كانت ومازالت تلوح فى الأفق، إلا أننى أيضًا تخوفت من أن ينتهز البعض هذه الفرصة، واضطرار الملايين للاعتماد على المنتجات المصرية فى ضوء سلسلة التعويم وارتفاع الأسعار... إلخ، فيفرض سياسة المنتج الردىء الذى لا بديل له، وعلى المتضرر أن يضرب رأسه فى أقرب حائط. مثال لا يخلو منه كل بيت مصرى يكمن فى أدوات النظافة مثل الفرشاة والممسحة التى يتم تركيب عصا طويلة فيها يتم تثبيتها إما بالضغط أو «قلاووظ»، حيث تدور العصا فى الفتحة المخصصة لها فى الفرشاة حتى تثبت تمامًا. وأكاد أجزم أنه فى كل بيت مصرى عشرات العصىّ وعشرات الفرش والمقشات والمماسح، لا العصا تقبل التعامل مع المقشة، ولا المقشة ترتضى تثبيت العصا فيها. ضمادات ودوبارات ومحاولات دق مسامير تخترق العصا وفتحة المقشة وجميعها يبوء بالفشل. عقودًا طويلة وأنا أسأل نفسى: ما الذى يضير المصنع أو العامل أو المفتش أو مسؤول الجودة فى إصلاح هذا العيب، والذى لا أعتقد أنه سيكلف المصنع ملايين إضافية، أو يكلف العامل جهودًا وساعات فوق طاقته.. قبل أيام، اشتريت حامل ملابس حديديا «صنع فى مصر» عن طريق الإنترنت. التغليف عظيم، والقطع الحديدية تبدو عظيمة، وكتالوج طريقة التركيب عظيم، لكن تفاجأ أثناء التركيب أن فتحات القطع الحديدية غير منتظمة، ما يجعل عملية التركيب شبه مستحيلة. تستدعى عاملًا لإصلاح الثلاجة أو حوض المطبخ أو بالوعة الحمام. تحمد الله كثيرًا على أنه يفهم مهنته ويدرك سبب المشكلة ويتعامل معها بحرفية، لكنه يترك المكان خلفه وكأنه «زريبة». أسلاك مقطوعة ومياه قذرة وأوراق وعبوات بلاستيك ملقاة على الأرض. المصيبة أن أغلب هؤلاء لا يبرحون مكانهم إلا بعد الاستئذان فى دخول الحمام والوضوء ليلحق الظهر أو العصر، وهذا عظيم، لكن ألم يخبرهم أحد أن النظافة والضمير والإتقان والعمل عبادة مثلها مثل الصلاة؟.