بقلم : أمينة خيري
علينا أن نحسم أمرنا فى العديد من الأمور حتى نقتصد فى الوقت والجهد المهدرين فى الدوران فى دوائر مفرغة. أحد أبرز ما تم رفعه من مطالب فى أحداث يناير 2011 كان إصلاح منظومة التعليم. القاصى قبل الدانى اعتبر ما نحن فيه من ترد عام مرجعه انهيار منظومة التعليم. وما من ضيف يستضاف فى برنامج، أو مفت يفتى بفتاواه الكونية إلا وذكر إصلاح التعليم مطلبا. لكن الواقع يشى بالعكس. الواقع يقول إن الغالبية تتمسك بتلابيب التعليم المتردى. ربما يكون ذلك من باب «اللى تعرفه أحسن من اللى ماتعرفوش». وقد يكون من منطلق أن آباء وأمهات الأولاد والبنات فى المراحل المدرسية حاليا هم أنفسهم نتاج نظام التعليم المنهار، لذا يفزعون حين يجدون أبناءهم وبناتهم يتلقون نوعية مختلفة من التعليم، أو فلنقل طريقة مختلفة. الدفاع المستميت عن منظومة مثل الدروس الخصوصية التى خربت أحد أهم أركان التربية والتنشئة ألا وهى المدرسة، وهو ما يفسر الكثير من التدنى الأخلاقى والقبح السلوكى من حولنا، أمر محير. ولن أنسى تلك الوقفات الاحتجاجية التى نظمها أولياء أمور أمام «سنتر» دروس خصوصية فى إحدى المحافظات حين تم إغلاقه. أتفهم أن يثور أولياء الأمور لدى إغلاق «سنتر» لأن «المدرسة مافيهاش شرح»!
لكن «المدرسة مافيهاش شرح» لأن المدرس إما يدخر جهده للسنتر، أو لأن الطلاب فعليا فى السنتر فى أوقات المدرسة. كيف نكسر دائرة السنتر المغلقة إذن؟ لن تنكسر إلا حين يقتنع أولياء الأمور بأن السنتر ليس إلا خرابا. وأتفهم أن المدرس الذى اعتاد أن يدخل جيبه 30 ألف جنيه وما فوق شهريا من الدروس الخصوصية سيبذل الغالى والنفيس للإبقاء على المدرسة كالبيت الوقف. لماذا؟ لأنها حين تتحول مدرسة حقيقية ستغلق السنتر بالضبة والمفتاح. الحل إذن فى هامش «طموح» ربحى أقل مع جوهر قناعة بأن مهنة المدرس تقوم عليها رفعة الوطن أو انكساره. يقولون إن «رفعة الوطن» لا تؤمن كيلو لحمة أو ساندويتش جبنة رومى أو مصيف أسبوع فى الساحل، وهذا حقيقى، لكنها تؤمن مستقبل لأولئك الذين نشترى لهم اللحم والجبن الرومى وأسبوع المصيف. ويأتى دور تطبيق القانون بحزم مع استثمار الدولة الحقيقى فى نوعية المعلم الذى يستحق راتبا مجزيا. ثم نأتى إلى المعضلة الكبرى ألا وهى الفهم المجتمعى لمنظومة التعليم. ما الذى يعنى الأهل فى منظومة التعليم؟ السعة الاستيعابية لمخ الصغير ليحفظ بغرض السكب على ورقة الامتحان واكتناز الدرجات والالتحاق بكلية قمة ونيل شهادة يعلقها فى الصالون، ثم يتخرج فى الجامعة يا مولاى كما خلقتنى؟ أم أن التعليم يعنى اكتساب معارف وتنمية قدرات وإعمال عقل نقدى وصقل مواهب تؤهل الصغير لسوق العمل، وليكون واحدا صحيحا فى المجتمع وليس صفرا إضافيا على الشمال؟ ما سبق ليس دفاعا عن وزير أو وزارة، لكنه دعوة لمعرفة ماذا يعنى التعليم لدى الجميع؟