رحم الله جدى وكل الجدود

رحم الله جدى وكل الجدود!

رحم الله جدى وكل الجدود!

 العرب اليوم -

رحم الله جدى وكل الجدود

بقلم : أمينة خيري

كان لجدى شنة ورنة فى منطقتنا. وظلت الشنة قائمة طيلة حياته وبقيت الرنة بعد وفاته مصهللة ومجلجلة بين أبناء جيله والأصغر سناً قليلاً. رحل جدى قبل عقود طويلة، ورحل أبناء جيله والجيل الذى تلاه إلا قليلاً. ما زال كثيرون يذكرون جدى من حكايات ذويهم حول ما كان فى سالف العصر والزمان. يسمعون الحكايات، ومنهم من يُبدى إعجاباً، ومنهم من يضحك خلسة. فالزمان تغير والوقت تبدل، وما كان يفعله ويقوله جدى قبل خمسة أو ستة أو سبعة عقود لن يأتى بالأثر نفسه اليوم. وهذا لا يغضبنى أو يوغر صدرى. فهذه سنة الحياة، ولو بقى أهل المنطقة والمناطق المجاورة على سابق عهدهم من اتباع لنصائح جدى وامتثال لرؤاه، لقلقت على مصير المنطقة وأهلها من الجمود والتحجر.

فمنذ وفاة جدى قبل أربعة عقود والعالم لم يكتفِ بالتغير مرة أو التقلب مرتين، بل هو آخذ فى جانب منه فى التطور والازدهار، وآخذ أيضاً فى التأخر والتقهقر فى جانب آخر. ولو ظل أهل المنطقة والمناطق المجاورة على حالهم فى الاكتفاء بآراء جدى فى شئون حياتهم، لتقدمت وتطورت المناطق المحيطة، وظلت منطقتنا غارقة فى حِكَم جدى وأحكامه وحكمته.

قرأت باهتمام كبير ومعزة بالغة مقال الدكتور ناجح إبراهيم، المفكر والطبيب والكاتب والقيادى السابق فى الجماعة الإسلامية، قبل أيام قليلة تحت عنوان «الشعراوى مخاطباً كل العصور». وبعيداً عن المعزة التى أحملها فى قلبى لشخص الدكتور ناجح، والإعجاب بانتقاله العقلانى من فكر الجماعة الإسلامية التى اختارت أن تقود حرباً شرسة ضد الدولة المصرية، يسميها البعض «حركة تمرد مسلح» فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، فأن يخرج أحد من فكر الجماعة الأشرس والأعنف فى قوائم الإسلام السياسى التكفيرى والمسلح والقابعة فى أقصى درجات الراديكالية، ويعتنق فكراً نابذاً للعنف ومؤمناً بمراجعة الفكر فهذا يعنى الكثير.

مثل هذا التحول يعنى قدرة عقلانية قوية على اتخاذ قرار التحول من أقصى التطرف إلى إعمال العقل، وهى مسألة بالغة الحساسية فى فكر جماعات الإسلام السياسى بدرجاتها، حيث الانتماء لها يتطلب قدراً معتبراً من إلغاء إعمال العقل أو على الأقل فرض حظر تجول صارم على مناطق تشغيله وأوقات إعماله، وذلك لضمان كامل الانصياع وتمام التسليم لأمراء الجماعة هنا أو منظريها وفقهائها ومفتيها هناك.

وأعود إلى مقال الدكتور ناجح «الشعراوى مخاطباً كل العصور» وأقتبس مقاطع، منها: «التقوى تورث الحكمة ومحبة الخالق والمخلوق، وكذلك الأخلاق الكريمة والكرم والجود والشهامة. ويُعد الشيخ الشعراوى من حكماء عصره فهو يملك نفساً زاهدة، وقلباً طيباً ودوداً وعقلاً وعلماً وفكراً وكرماً وجوداً وشهامة وتصوفاً وتعبداً». والمؤكد أن الشيخ الشعراوى رحمه الله امتلك الكثير من الصفات الشخصية، بالإضافة إلى القدرات الفذة كونه متحدثاً مفوهاً امتلك مقاليد الكلام والتعبير بالإضافة لقدرته على نقل ما وصل إليه من تفسير للقرآن الكريم إلى العامة بخليط غير مسبوق من الشعبوية التى تصل لعقول وقلوب البسطاء، مع الاحتفاظ بهامش نخبوى غامض يستحيل فك رموزه، ما يجعله محتفظاً بهالة من السحر حوله.

واختار الدكتور ناجح قائمة من كلمات قالها الشيخ الشعراوى رحمه الله وجميعها فى الحقيقة جميلة وفيها الكثير من الحكمة والموعظة. ولكن أضاف الدكتور ناجح أن «أعظم ما فى حِكم الشعراوى أنها تصلح لكل العصور، ويمكنك أن تقرأها بعد سنوات طويلة فتشعر وكأنها قيلت اليوم، فقيمة خلودها وبقائها أنها مستمدة من الكتاب الخالد ومن تعاليم النبوة الخالدة».

وأتساءل عما قيل من آراء وفتاوى، سواء من قبل الشيخ الشعراوى رحمه الله أو غيره ممن رحمهم الله قبل عقود أو قرون، أو أطال الله فى أعمارهم، وعلاقة كونهم علماء أفاضل أصحاب علم ومعرفة فى عصورهم من جهة وبين صلاحية تطبيق ما ارتأوه من آراء واختيارات وتفسيرات واجتهادات لا مدى حياتهم، بل مدى حياة الآخرين!

وأتساءل أيضاً، هل انتقاد أو مراجعة أو حتى الاعتراض على ما قاله علماء ومفتون ومجتهدون من بنى البشر قبل سنوات أو عقود أو حتى قرون، يُعد خروجاً من الملة؟ أو كفراً بالدين؟ أو حرباً يتم شنها على المتدينين؟ وهل القول بأن ما يقوله البشر -مهما بلغوا من حكمة وموعظة وورع وتقوى- ربما لا يصلح جميعه لكل العصور والأزمنة، وانتقاد رأى شخص ما، أو القول بأن ما قاله قبل 20 أو 50 أو 70 عاماً، أو قبل قرن أو قرنين أو عشرة لا يصلح للزمن الحالى يُعد انتقاصاً منه أو مؤامرة ضد الدين أو رغبة فى نشر الفجور وهدم القيم بالضرورة؟

تأليه أو تقديس البشر ليس من الدين. وقد وصل بنا الحال اليوم، وبفعل الخطاب الدينى الذى ساد فى السبعينات والثمانينات من القرن الماضى، وتسيّد فى العقد الثالث من الألفية الثالثة أن تنشب معركة كلامية بين صديقين لأن أحدهما وضع عالماً أو مفتياً أو مُنظراً فى منزلة الأنبياء والقديسين، فى حين أن الآخر ينتقد بعضاً مما قاله هذا العالم أو يراه غير مناسب للعصر أو يعتبر أن زمنه ولى وأدبر، لا سيما أنه لم يكتب قرآناً أو قال حديثاً نبوياً مؤكداً. فهل من نقاش مستنير؟! رحم الله جدى وكل الجدود ورحم زمنهم.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحم الله جدى وكل الجدود رحم الله جدى وكل الجدود



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:43 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالة مختلفة تضج جمالاً
 العرب اليوم - نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالة مختلفة تضج جمالاً

GMT 00:23 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها
 العرب اليوم - طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها

GMT 19:41 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

إطلاق نار بمحيط إقامة دونالد ترامب

GMT 02:19 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

حالة طوارئ في جنوب ليبيا بسبب السيول

GMT 17:46 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

إصابة شرطي إسرائيلي في عملية طعن في القدس

GMT 04:25 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

سماع صوت انفجار بمحيط مخيم العين غربي مدينة نابلس

GMT 17:24 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

قصف إسرائيلي عنيف على بلدة عيتا الشعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab