بقلم : أمينة خيري
مشاعر متضاربة انتابتنى لدى قراءة ما قاله وزير الأوقاف المحترم الدكتور محمد مختار جمعة عن الدعاء للمسلمين فقط. ولمن فاته الحدث، فقد قال الوزير إن دعاء «اللهم مرضانا ومرضى المسلمين واللهم احفظ بلدنا وبلاد المسلمين» قول خطأ ومحرّض للتفرقة بين أبناء الوطن. فرحة وصدمة هما النتيجة. فرحة بأن مسؤولًا عن كيان دينى إسلامى رسمى كبير جاهر بما يتحرّج كثيرون من المجاهرة به ألا وهو «أن الدعاء للمسلمين فقط أمر كريه».
وصدمة لأننا فى عام 2022 ننظر إلى تصريح كذلك باعتباره قمة التسامح وسعة الصدر وقبول الآخر!.. بالنظر إلى التاريخ المعاصر نرى أن هجمة النسخة المهجنة بثقافة التطرف والتشدد والكراهية لدين السبعينيات - وهى النسخة التى نبذها مبتكروها الآن وتُرِكنا وحدنا غارقين فيها - نجمت عنها عقود من الصراخ عبر ميكرفونات المساجد «اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين» إلى آخر الدعاء للمسلمين وحدهم فى وطن يعيش فيه مسلمون وغير مسلمين. وهذه ليست النتيجة الوحيدة، ولكن النتائج كثيرة.
مثل هذا الدعاء تربّت فى كنفه أجيالٌ نشأتْ على فكرة الفوقية والعنصرية والكراهية للآخرين، ونتج عن سنوات الدعاء الانتقائى وغيره من قواعد النسخة المشوهة للدين اعتقادٌ راسخ لدى ملايين بأن الترحم على غير المسلمين لا يجوز، وأن تحيتهم مكروهة، وتبادل التهانى معهم حرام.. والقائمة تطول.. لذلك فإن الفرحة العارمة لدى البعض بخروج وزير الأوقاف لـ«يجاهر» بخطأ مثل هذا الدعاء قوبلت بغضبة عارمة أيضًا من قِبَل قاعدة جماهيرية تعيش معنا وبيننا تربّت ونشأت على الكراهية وضيق الصدر والفوقية واحتكار دخول الجنة والخروج منها.. وهذه قناعات لا تقف عند حدود أدمغة من يؤمن بها، لكنها تنعكس فى التعاملات اليومية، وتنضح كراهية وفوقية على الآخرين.
وهذا يعنى أن ما يشاع حول السلام الاجتماعى والسكينة والمودة والرحمة فى الشارع المصرى، وما يُتداول من صور لمشايخ وقساوسة يتعانقون، وما يُروج من أخبار عن جمال الوحدة وروعة السكينة، لا يكفى لخلق مجتمع قويم سليم.. فى الوقت نفسه، تستحق التعليقات وردود الفعل الواردة على ما قاله وزير الأوقاف تحليل علماء الاجتماع والنفس وعللها لنعرف أن ما طرحه الرئيس السيسى مرارًا وتكرارًا منذ يناير 2015 لم يلق صدى ولا يُقابل بأى إرادة أو رغبة، وربما يعود جانب من ذلك إلى عدم اقتناع البعض من «القائمين على أمر الدين» بالحاجة إلى التجديد والتطهير.
ويبدو أن القول بأن ملايين المصريين اعتنقوا فكر التشدد اختياريًا عكس من ابتكر هذا الفكر وفرضه جبريًا على شعوب أخرى فيه كثير من الصحة. وإذا كانت الديمقراطية وحرية التعبير والتعددية وغيرها قيمًا أساسية لتقدم الشعوب، فإن الشعوب لا تتحرك قيد أنملة فى ظل الظلام الفكرى والعنصرية التى يحلو للبعض أن ينعتها بـ«التدين» و«الالتزام».
رحم الله أجدادنا وجدّاتنا الذين كانوا متدينين عن حق، وملتزمين فعلًا، لا قولًا. والسلام ختام للمسلمين وغير المسلمين.