بقلم:أمينة خيري
هناك مشاهد بعينها فى أفلام محفورة فى الذاكرة. ويحضرنى هذه الأيام مشهدان. الأول من فيلم «الإرهاب والكباب»، هذا الفيلم العبقرى الذى استطاع أن يدمج فى عمل واحد العشرات من مشكلات المصريين ومعضلات حياتهم اليومية، مع نكهة سياسية عميقة ونظرة اجتماعية رائعة. المشهد الذى طلب فيه وزير الداخلية من الموظف أحمد الذى كان فى مجمع التحرير لنقل ابنيه من مدرسة إلى أخرى أن يحدد مطالبه ليتم تنفيذها وإطلاق سراح الرهائن. أحمد المواطن الغلبان شأنه شأن الملايين ساقه القدر ليجد نفسه حاملًا السلاح ومعه عدد من المواطنين من الموظفين والمواطنين ممن كانوا فى المجتمع لإنجاز مصالحهم المعطلة، واعتبرتهم الدولة «رهائن» أو أعضاء فى التنظيم الإرهابى.
لحظة الصمت والصدمة التى غلفت المكان حين سأل أحمد الجميع عن مطالبه عبقرية، وما زالت سارية. ماذا نريد حقًا؟ فى وسط كل ما يحدث حولنا وبيننا، ما هى آمالنا وأحلامنا التى نود تحقيقها؟ بالطبع الغالبية يتقول الستر وراحة البال إلخ، وستداعب السيارة الملاكى والشقة الفاخرة والملابس الجميلة خيال الكثيرين، لكن ما هى أمنياتنا الأوسع؟ تعليم جيد؟ شوارع آدمية فيها أرصفة وإشارات وأماكن عبور مشاة؟ فرص عمل معقولة؟ وسائل ترفيه مناسبة؟ مستشفى نظيف ينجد المصاب ويعالج المريض بأسلوب آدمى ودون أن يبيع هدومه لسداد قيمة الفواتير؟.
وإذا كانت هذه وغيرها أمنياتنا، فما السبيل لتحقيقها؟ هل لدينا صورة واضحة لما نود أن نكون عليه بعد خمس أو عشر أو ٢٠ سنة؟ هل نمتلك رؤية شاملة كاملة فيها أهداف، وخطة علمية عملية مدروسة لتحقيق هذه الأهداف وتحديد الأولويات فى ضوء المتاح مع عمل حساب المستجدات؟.
لسبب ما كلما تبدو إحدى الغايات أو الأهداف قريبة إلى حد ما، يحدث شىء ما عجيب غريب مريب ينسف الطريق ويتسبب فى حالة ضبابية عاتية تبدد القدرة على المضى قدمًا. إصلاح التعليم قبل سنوات قليلة كان قد بدأ فعليًا، وأقصد الإصلاح بمعناه الحقيقى وليس قصقصة ريش المدرس، أو حذف آخر أربعة فصول إرضاء لجروب الماميز، أو استبدال الحصة الرابعة بالخامسة مع العلم أن المدرس لا يشرح فى الفصل ولا الطالب – إن حضر- يستمع له. نسبة غير قليلة منا رفضت الإصلاح، وتمسكت بما آلت إليه أوضاع التعليم، ولن أتطرق إلى التربية، لأنها باتت فى خبر كان.
وهنا يحضرنى المشهد الثانى الذى يلخص الحالة. الراحل الرائع فؤاد المهندس فى فيلم «اعترافات زوج» وهو يحاول فهم ما يجرى بعد ما تعقدت الأمور تمامًا. ظل يعيد ترتيب الجملة: مافيش بيبى، حمايا كان بيغازلها، حماتى قلتلتها فى بيبى، حماتى كذبت عليها، حمايا كذب عليا، أنت بتمشى وأنت نايم!
ويبدو إننا لم نفهم، فنحاول أن نقولها من الآخر، لعلنا نفهم: نايم وأنت بتمشى أنت، وهلم جرا.
أعتقد إننا فى حاجة ماسة إلى معرفة ما نريد حقًا. الأمر عاجل وخطير.