بقلم : أمينة خيري
من حق الجميع أن يتابع، بل هو واجب، ليكون المواطن مدركًا ما يدور حوله. ومن حق الكل أن يعبر عن رأيه، فالتعبير عن الرأى حق أصيل للمواطن طالما التزم معايير معروفة من عدم نشر الأكاذيب أو تداول الشائعات، وغيرهما. لكن الملاحظ أن التعبير عن الرأى تطور بمساعدة الـ«سوشيال ميديا»، فأصبح إفتاء وتنظيرًا بلا حدود. الجميع خبراء ومتخصصون، والجميع علماء هندسة وفلك وكيمياء وطرق وكبارى وفيزياء وتاريخ وعلم نفس وحساب مثلثات وأحياء مائية وحيوانية وبشرية. وبالطبع كل من قرأ كتاب دين أو استمع لرجل دين، أصبح علّامة يفتى فى شؤون الأحياء والأموات.
واستمر التطور فى التعبير عن الرأى، ليتحول أخيرًا إلى علم كامل شامل فى الجرائم والحوادث. تقع حادثة أو تُرتكَب جريمة فى العاشرة، فتتحول جيوش الـ«سوشيال ميديا» الجرارة فى العاشرة والربع إلى وكلاء نيابة ومحققين ومعاونى نيابة ومباحث وأمناء شرطة ومحامين وقضاة وعساكر دورية ونائب عام وشهود عيان (من أمام شاشاتهم وليس من موقع الجريمة أو الحادث).
مرة أخرى، من حق الجميع أن يعبر عن رأيه، لكن الهبد حين يتفاقم، والرزع حين يتعاظم تصبح الأجواء العامة مسمومة قاتلة. خذ عندك مثلًا عزيزى القارئ مثال مأساة كنيسة أبوسيفين. يخرج أحدهم بعد وقوع المصيبة بدقائق ملوحًا بشبهة عمل إرهابى، ومعلنًا أن «الطرمخة» لن تجدى. البعض سيعتقد أن هناك معلومة بأنه عمل إرهابى ويبنى رأيه ورأى من حوله بناء على هذه «المعلومة»، ويقوم بدوره بنقلها يمينًا وشمالًا. مفهوم بالطبع أن ميراث الماضى يلقى بظلال وخيمة على الحاضر، لكن ليس هكذا تدار المواريث. آلاف التعليقات والآراء تدور رحاها على منصات السوشيال ميديا مفندةً كل كبيرة وصغيرة رآها أحدهم فى مقطع فيديو استغرق ثوانى، أو سمع عنها آخر من صديق عرف عنها من ابن عمته الذى عرفها بدوره من جاره.. «شوف الدخان جاى من يمين المدخل يبقى أكيد كذا»، «الراجل الواقف ورا تحركاته مريبة أكيد وراه سر»، «بيقولك العيال جابوهم اليوم ده مخصوص بدرى أكيد فى إنَّ»، ناهيك عن آلاف غيرها من تحميل فلان مسؤولية ما جرى وتبرئة ساحة علان، وقائمة لا تنتهى من السموم الكلامية والسهام القاتلة التى تُفاقم من حجم الألم ولا تلقى بالًا للمصيبة الإنسانية أولًا وأخيرًا.
ليس المطلوب بالطبع إسكات الناس أو تلجيم آرائهم. كل المطلوب ثُمن كيلو تعقّل فى الهبد، وثُمن آخر تحقّق قبل النشر. وبهذه المناسبة، ينتشر فيديو لنائب برلمانى أخطأ عدة مرات فى قراءة آية قرآنية فى المجلس قبل ست سنوات. «أحدهم» - وهو ذو أيديولوجية معروفة - نشر الفيديو على صفحته على اعتبار أنه لوزير التربية والتعليم الجديد، وهاتك يا هبد من قبل المتابعين ومعيدى النشر: يا خسارة يا مصر، البلد خربت، حسبى الله ونعم الوكيل