بقلم : أمينة خيري
أعاد صديق تذكيرى بحقيقة أن منتقدى من يلقى قمامة في الطريق ومخلفات بناء على الناصية، ويخرب مقاعد قطار، ويستولى على الرصيف المقابل للمقهى، ويسير عكس الاتجاه ضاربًا عرض الحائط بسلامة الآخرين، ويتحرش بسائحة وينصب على سائح ويقرفهما في عيشتهما ولا يتركهما إلا وقد تأكد تمامًا أنهما سيبرحان مطار القاهرة دون رجعة إلى آخره.. هم من النافخين في القِرَب المقطوعة، ولن ينالهم إلا أن ينقطع نَفَسهم. لماذا؟.. لأن الانتقاد المتكرر وتدخلات علاج الأعراض بين الحين والآخر تترك الجذور بسوسها وفطرياتها وأمراضها راسخة ثابتة وطيدة متمكنة واثقة في أعماق الأرض.
كتبت كثيرًا عن علاج الجذور، لكننا جميعًا ما زلنا في مرحلة علاج الأعراض.. علاجات موسمية. خذ عندك مثلًا عزيزى القارئ ما جرى قبل أيام على طريق الأوتوستراد في منطقة البساتين.. قرر سائق لودر أن يسير عكس الاتجاه!.. أين؟!، ليس في شارع فرعى، أو في منطقة نائية، أو ميدان تحت الإنشاء، بل على طريق الأوتوستراد.. قرار السائق أدى إلى سفك دماء ثلاثة أشخاص في سيارة ملاكى.
وبعد تقديم التعازى وشكر الجهات المختصة التي ألقت القبض على سائق اللودر وغيرها من إجراءات علاج الأعراض، نسأل: ما الذي شجع السائق على السير عكس الاتجاه على طريق الأوتوستراد؟!.. إما أنه لا يعرف أن هذا الاتجاه اتجاه واحد.. وهذه كارثة.. أو أنه قرر أن «يخطف» بضعة أمتار عكس الاتجاه بسرعة، وعادى، وإيه المشكلة، وكتير بيعملوها وربنا بيستر.. وهذه مصيبة.. أو أنه على يقين بأن أحدًا لا يحاسبه.. وهذه أم المصائب وكارثة الكوارث.
وبسذاجتى المعهودة كنت أعتقد أن الغياب الكامل والتام لأى خدمات وقوات وقوانين مرورية في المدن التي كانت جديدة وصارت قديمة، مثل الشروق ومدينتى والعديد من المناطق في التجمع استثناء. والحقيقة أننى أشفق تمامًا على المسؤولين عن المرور (وأقصد المنوط بهم تطبيق قوانين السير التي من شأنها تقليل حجم هدر الأرواح والممتلكات، مثل: السير في تعرجات، والتخطى الخاطئ، واعتبار الخطوط المحددة للحارات زينة لتجميل الطريق، ولبس الحزام، وطفاية الحريق، وسريان الرخصة فقط وجميعها بالغ الأهمية بالطبع). فليس من المعقول أن يتم تعيين فرد من إدارة المرور ليرصد كل مركبة على الطريق. فعدد القوات لا يكفى لتحقيق غاية «عسكرى لكل مواطن»، كما أن العسكرى ليس ملمًا بالضرورة بقواعد السير على الطريق.
الطريق عامر بالحكايات. مثال آخر من خان الخليلى وزيارة خاطفة مع صديقة أسترالية قبل أيام. دعك عزيزى القارئ من الزحام وتكالب البعض لعرض منتجاته- بما فيها قطط الشارع- على الصديقة لتشتريها، ولكن مهمة الإبقاء عليها في أمان بعيدًا عن عشرات الموتوسيكلات الطائرة في شوارع خان الخليلى بالغة الضيق كانت بالغة الصعوبة. الحملات الموسمية لتوقيع غرامات على من يلقى القمامة ويخرّب القطار ويسير دون حزام أمان علاج لأعراض السوس وليس بتره