بقلم:أمينة خيري
الباحث بجدية عن خبر وسط تلال «الأخبار» العنكبوتية بطل. والمُنقّب عن «معلومة» لا تقبل التأويل فى حقول المعلومات المتلونة بألوان ناقليها عظيم. والمدقق فيما يرى من «حقائق» مهمة أو مصيرية، حتى لو كانت متداولة على مواقع معروفة بمصداقيتها النسبية ورصانتها طالما لا تضر مصالحها، هو بكل تأكيد «نجم الجمهور». الجمهور المتلقى ضحية. وهو ضحية فى كل أنحاء العالم، ولكن بدرجات متفاوتة. فمن نشأ وتربى وكبر على أسس العقل المستقل، والتفكير النقدى، وعدم الانصياع وراء القطيع مهما بدا القطيع رائعًا وجذابًا ومثاليًا، هو وحده القادر على التدقيق فيما يمر أمامه من أخبار ومعلومات وحقائق وتحليلات عن السياسة والاقتصاد والسينما والدين والحضارة وغيرها.
جزء من هذه القدرة يكمن فى الرغبة، ومن يعتقد أن ما يتعرض له من محتوى على منصات «السوشيال ميديا» هو أمر واقع وحقيقة لا جدال فيها لا يمكن وصفه بعدم القدرة على التدقيق، ولكن لأنه تربى على القواعد والقيم والأساسيات الراسخة لمنظومة «لا تجادل ولا تناقش يا أخ على حتى لا تقع فى المحظور».
الجدال والنقاش إذن سمة «الناس الوحشين». بالطبع هناك فرق كبير بين الجدال بغرض طرح وجهات نظر وآراء مختلفة، والنقاش بغية توسيع أفق الأفكار والاطلاع على الجديد وإعادة التفكير من جهة وبين الجدال والنقاش بغرض السفسطة واستعراض الـ«ولا حاجة». علينا أن نعترف أن جزءًا لا يتجزأ من الطريقة التى نشأ عليها أغلبنا، سواء فى البيت أو المدرسة أو المؤسسات الفكرية والثقافية بأنواعها، تقوم على أساس شيطنة النقاش ووضعه فى خانة المكروهات وربما المحرمات الاجتماعية.
يبدو لنا أننا نحمل تفكيرًا نقديًا وقدرة على طرح أفكار مختلفة حين نجادل فى «هل طلاق الفنانة فلانة كان متوقعًا؟» أو «هل ضربة الجزاء كانت مستحقة؟»، أما غيرها من القضايا والمسائل التى تمس حاضرنا ومستقبلنا، والتى تساهم فى تحديد مصائرنا بين أمة تكفيها العنعنة (فى كل الأمور وليست الدينية فقط)، وبين أمة تفكر وتناقش وتبحث وتفكر مرتين قبل أن تردد بأعلى صوتها «آمين». «أم دعاء» أخبرتنى والفرحة والسعادة تقفزان من عينيها: «أميتاب باتشان بيصلى!».. لم أفهم المقصود. قلت لها: ولماذا لا يصلى؟!.. «أم دعاء» التى تتجرع مرارة فقر شديد، وفى رقبتها خمسة من الأبناء والبنات تريد تزويج هذه والبحث عن فرصة عمل لهذا فى دولة غنية، ناهيك عن وصولات أمانة حررتها على نفسها لشراء بوتاجاز وثلاجة إلى آخر المنظومة، قالت بصوت المنتصرين: بيصلى صلاة المسلمين.
وبعيدًا عن أن باتشان (82 عامًا) ينتمى لأسرة هندوسية، ويقول كلما سُئل عن ديانته إنه بلا دين، وإنه هندى وكفى.. ما الذى يجعل «أم دعاء» تفرح كثيرًا بسجود وركوع باتشان؟ ولماذا ترفض أن تصدق أن ما تراه ذكاء اصطناعى، بل هو هداية ونعمة وفضل كبير من عند الله؟.. وللحديث بقية!.