بقلم : أمينة خيري
منذ وعينا على الدنيا، والدنيا لا تذكر كلمة «المحليات» إلا مقترنة بنعت من نعوت الفساد أو الخراب أو القبح أو الطرق الملتوية. عقود طويلة والمصرى القديم والحديث يتحدث عن «فساد المحليات». ويعتقد النشء أن المحليات والفساد كلمتان لمعنى واحد، وأرى فى ذلك ظلما بينا.
فالمؤكد أن فى هذه المنظومة الخير والشر والالتواء والاعتدال. وفى أحداث يناير 2011 كان «فساد المحليات» ضمن عناصر الاحتقان لدى كثيرين من غير المسيسين أو المؤدلجين الذين تمنوا إصلاحا وحلموا بتقويم للأوضاع وليس هدما أو خرابا.
وأذكر أنه فى يوم 24 يناير 2011 نشرت صحف مصرية تغطية لفعالية عرض فيها مسؤولون دنماركيون تجربة بلادهم فى إدارة المحليات. وكانت العبرة فى «الخلاصة» حيث «ثقة المواطن الدنماركى فى مجالسه المحلية ناجمة عن عدم انتماء أغلب موظفى المحليات لأحزاب سياسية، وعلى رأسها الحزب الحاكم، وحق المواطن فى الاطلاع على كل الإجراءات التى تتخذها مجالسه وميزانياتها، وتقييم الأداء احتكاما إلى معايير علمية.
كما أن «درج المحليات الدنماركى» ليس مفتوحا، وإن حدث فإن ترسانة الضوابط والموازين والرقابة والتقييم والمتابعة والمحاسبة تبقى الدرج مقفولا.
وعلى سيرة الإقفال، أٌقفِل النقاش حول المحليات بشكل شبه تام فى السنوات القليلة الماضية، تارة تحت ضغط الأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية المتواترة، وأخرى لأن الجميع انشغل بقضايا أخرى آنية.
لكن هذه الأيام نطالع شكلا من أشكال إعادة نكء جراح المحليات. قرأت أخبارا عدة عبارة عن تصريحات لنواب برلمانيين أو مشاركين فى «الحوار الوطنى» تشير إلى أن «انتخابات المحليات لها أولوية فى الحوار الوطنى من حيث المناقشة». ربما ضيق أفق أو محدودية فهم أو قلة خبرة من جهتى تمنعنى من فهم المقصود بوضع انتخابات المحليات على قائمة النقاش فى الحوار الوطنى.
مبدئياً، كنت قبل أشهر أتصور أن الحوار الوطنى حوارا يجمع أطيافا سياسية وأيديولوجية مختلفة من شأنها أن تعيد قدرا من الثراء والتنوع فى المشهد السياسى بناء على توافق على أن الصالح العام لمصر والمصريين هو الأولوية.
لكن اتضح أن الموضوع أكبر أو وسع أو أشمل من ذلك بكثير، وأنه يكاد يحوى كل كبيرة وصغيرة فى شأن الوطن، وهو ما يفسر اللجان الرئيسية واللجان الفرعية واختيار المقررين وعقد الاجتماعات لوضع التصورات ورسم الخطط للجلسات وغيرها.
وأعود إلى المحليات، وأقتبس مما كتبه القارئ الفاضل أستاذ النقل والمرور دكتور حامد مبارك عن المحليات. «أقسم بالله العظيم مستقبل مصر كلها يرتبط بوجود حكم بلدى محلى، وانتخابات محلية يختار المواطن فيها من يمثله، ومجالس محلية تراقب وتحاسب وتعاقب، وأن يخصص لها الشق الأكبر من الضريبة العقارية وغيرها من القيم المضافة، مع عقد اجتماعات عامة فى الأحياء للاستماع إلى رأى المواطن- الذى هو الظهير الشعبى- فيما يختص بشؤونه الحياتية.