بقلم:أمينة خيري
تحدثنا عن المناخ الذى يحمى ويعمل على استدامة حرية الرأى والتفكير والتعبير، وهو وحده الضامن لارتقاء الأوطان وتقدم أهلها، والعكس صحيح. وتطرقنا إلى الأفراد أو الأسر والمجموعات أو المؤسسات التى تجعل من مصيبة التضييق والتقييد مصيبتين بدفاعهم عنه، والاعتقاد بأن أمنهم وسلامتهم يكمنان فى الظلام والغرف الضيقة المغلقة.
هؤلاء ينجبون أجيالا ولدت فى الظلام، تتنفس ظلاما وتأكل ظلاما وتترعرع فى الظلام، وتعتقد أن هذه هى الحياة، وكل ما عداها خطر وحرام وضلال. وهذه نتيجة طبيعية لأهل ومعلم وقادة رأى وأجواء تؤكد دوما أهمية الظلام وقيمة تعطيل العقل.
فى المقال الأول من السلسلة، بدأت بالسؤال عن الأسباب التى تجعل تفاصيل حياتنا كأنها فوضى عارمة أو سيولة زائدة. الفوضى السلوكية والحياتية التى نعيشها ليست قدرا محتوما علينا التأقلم معه، أو ابتكار دعاء لتخفيف وطأته أو انتظار معجزة من السماء لتزيحها عنا، كما أنها ليست فطرة، وإلا كانت كل المجتمعات تعج فى فوضى شبيهة. وللعلم المجتمعات غير الغارقة فى فوضى سلوكية ليست كلها ضمن دول العالم الأول، وليست جميعها مصنفة ضمن الأكثر ثراء ورفاها ورخاء.
ولسبب أو أسباب ما، تتناسب هوامش الحرية طرديا مع سلوك الناس. وللعلم أيضا، السلوك لا يرتبط فقط بملابس النساء، وعدد دور العبادة، وطبيعة العلاقة والتى تربط بين هذا وتلك، وضخامة الميزانيات المخصصة للمؤسسات الدينية، لكنها ترتبط بتطبيق القوانين واحترامها، وحجم الرعاية التى تحصل عليها الفئات الأكثر ضعفا، وصلاح بيئات العمل (الرشاوى مثلا ما ظهر منها وما بطن)، مدى اعتماد أفراد المجتمع على الوساطة والمحسوبية والمعارف للحصول على الحقوق أو سلب آخرين حقوقهم، مدى اعتماد فئات بعينها على وظائفها أو سلطاتها لتنصيب أنفسهم فى مكانة أعلى أو للحصول على مكاسب لا يحصل عليها آخرون، والقائمة تطول والقوس مفتوح.
علوم النفس والاجتماع والإحصاء والقياس وعلماؤها لديهم عشرات الطرق لقياس الأخلاق والسلوك فى المجتمعات. وأدعو المشككين، أو المرتاحين لما نحن فيه أن يطبقوا أحد هذه القياسات لمعرفة أين نقف على مقياس السلوك.
.. ولغير المشككين فى حاجتنا الماسة إلى تصحيح المسار، وفصل التخصصات مع كامل الاحترام لكل منها، والمطالبة بعدم تغول وتوغل أحدها على آخر، أشير بكل الحب والود والاحترام، وبقدر محسوب من التفاؤل لمبادرة «بداية» لإعادة الهوية المصرية التى تركناها تٌسلب منا منذ سبعينيات القرن الماضى. أقول «قدرا محسوبا» من التفاؤل لأننى أخشى أن نجد من دفعونا دفعا للتخلى عن هويتنا وشيطنة تاريخنا وتحويلنا إلى صور مستنسخة من ثقافات أخرى هم أنفسهم ضالعون مجددا فى عملية «عودة الهوية وإعادة البناء».
وأنهى سلسلة «سيولتنا المعيشية» بما قاله الرئيس السيسى عن مبادرة «بداية» وكيف أن رأس المال البشرى هو ثروة مصر الحقيقية.
هذه الثروة تنتظر إعادة البناء، بدءا بالبيت والتعليم، مرورا بالثقافة وفصل التخصصات، وانتهاءً بتحويل القانون إلى عقيدة مستدامة. (انتهى).