بقلم:أمينة خيري
فى خمس مقالات سأطرح رؤيتى لحال الصحافة المكتوبة، وإلى حد ما التلفزيونية، ولنعتبرها نقدًا للبيت من الداخل. ستكون الـ«سوشيال ميديا» حاضرة، وبقوة، باعتبارها عدو الصحافة المحبوب.
الفقرة الأكثر تداولًا لدى الحديث عن حال الصحافة فى جميع أنحاء العالم، وتحديدًا منذ بزوغ السوشيال ميديا لاعبًا أساسيًّا فى حياة ٥.٢٢ مليار شخص، أى ٦٣.٨ فى المائة من سكان الأرض يمثلون مجموع مستخدميها، هى «أحدثت السوشيال ميديا ثورة فى عالم الصحافة. قدمت فرصًا مذهلة للتغطيات الإخبارية بينما تحدث الأخبار. أضفت طابعًا ديمقراطيًّا على المعلومات. فى الوقت نفسه، تفرض تحديات هائلة، منها انتشار المعلومات المضللة والمفبركة، وممارسة الضغط على الصحافة التقليدية، حيث المنافسة الشديدة فى سرعة نشر الخبر، ولو على حساب التحقق والمصداقية، بالإضافة إلى البحث عن الإثارة والسخونة».
وحتى لا نحلق فى خيالات لا تمت إلى الواقع بصلة، أو نغرق فى أحلام لا محل لها من التحقيق، فإن الصحافة لن تعود ملكة متوجة فى سماء الأخبار إلا فى حالة واحدة، ألَا وهى أن يتخذ أباطرة وملوك شركات السوشيال ميديا قرارًا بإغلاق أعمالهم، ويتم نزع الكابلات الموصلة للإنترنت. وحتى لو حدث هذا، لاحظ كلمة «قرار»، فمَن يتخذ قرار الإغلاق يمكنه أن يتخذ أيضًا قرار الاستمرار، وهذا يعنى أن انتظار انتهاء عصر السوشيال ميديا وأفول الإنترنت هو والعدم سواء.
كل دول العالم واجهت التحدى الرهيب للصحافة من السوشيال ميديا. الاختلاف يكمن فى درجة الاستعداد، وتوقيت بدء الاندماج أو التعايش، بالإضافة بالطبع إلى عاملين بالغى الأهمية: مستوى الثقافة والتعليم والتنوير فى المجتمعات، والقدرات المادية للدول وقطاعاتها الخاصة على تعايش الصحافة التقليدية مع السوشيال ميديا.
يظن البعض، ونحن ضمن أو بالأحرى على رأس هؤلاء البعض، أن تعايش الصحافة، المكتوبة والتلفزيونية، مع السوشيال ميديا يعنى تغريد وتدوين الأخبار والمقالات على منصات مثل «إكس» و«فيسبوك» وغيرهما، واقتسام كعكة «الترند» مع المؤثرين والمؤثرات حيث يصنعون من الحبة قبة، أو يفضحون شخصًا على الأثير، أو يتنمرون بأحدهم، أو يدلون بدلو هو أقرب ما يكون إلى الهراء المثير، فـ«نعلى عليهم»، ونصنع من الحبة ثلاث قبات، ولا نكتفى بالفضائح، بل نغوص فى المصائب، ولا نتوقف عند حدود التنمر، بل نُصدر الأحكام الشخصية ونُدخل هذا الجنة وندفع بذاك إلى النار، وهلم جرا.
قائمة التصورات التى تعترى البعض أو الكثيرين من الذين يجاهدون للبقاء فى رحاب الصحافة التقليدية أو إبقائها على قيد الحياة كثيرة. مثلًا تصوير الجنازات، وشاهد الإطلالة الجريئة للفنانات، ودعاء فك الكرب وجلب الحبيب وإعادة المطلقة ودرء الفقر، و«انظر ماذا سيفعل الطقس بنا» أو «ماذا قال المخرج الفلانى عن الفنان العلانى؟» أو «ما الشرط الذى يفرضه نادى كذا على اللاعب الفلانى؟» «أنقر لتعرف موعد إدخال الشتوى وتنزيل الصيفى»، ولحديث الإثارة فى الصحافة التقليدية بقية.