بقلم:أمينة خيري
دعك من نظريات المؤامرة، التى تُلمح إلى أن تجربة ما جرت يوم الجمعة لحرمان بعض دول العالم من أكسجينها التقنى على سبيل «البروفة» لهجمة أخرى مستقبلية أشد فداحة.. ودعك كذلك ممن يلوح بأن ما جرى كان هجمة سيبرانية منظمة ومخططة.
ودعنا نتأمل فيما أصبح عليه العالم من اعتماد شبه كامل على العقل غير البشرى. لست بصدد الدفاع أو الهجوم على التقنيات والرقمنة، ولكن ما جرى جدير بمعرفة أين يقف الإنسان فى العقد الثالث من الألفية الثالثة فيما يختص بإدارة شؤون حياته ومؤسساته ودوله وكوكبه، وهل هو فعلًا يسيطر ويهيمن على أساليب الإدارة ومنصاتها وأدواتها، أم أن هذه الأدوات والمنصات ربما لها رأى آخر، بغض النظر عن صوابه أو خطئه!.
يخطئ مَن يظن أن ابتكار الإنسان لجهاز- أو تقنية أو تطبيق- يجعله تحت سيطرته بالكامل. لا أتحدث عن قوة خارقة تكتسبها المبتكرات، أو قرارات مستقلة تتخذها التطبيقات كتلك التى نشاهدها فى أفلام الخيال العلمى، حيث تدخل روبوتات أو برامج فى منافسة مع الإنسان على مَن يتحكم فى الآخر، ومَن يصبح عبدًا لمَن!.
أتحدث عما هو أبسط بكثير، ألَا وهو عطب يصيب الآلة، فيستدعى إصلاحًا. تُعطل الثلاجة، فتستدعى فنيًّا متخصصًا لإصلاحها، وإلى أن يتم الإصلاح، تجد نفسك محرومًا من المياه الباردة، وحفظ الطعام حتى لا يفسد، وتخزين ما تيسر من لحوم وأسماك لاستخدامها غدًا أو الأسبوع القادم. وتفاجأ بأن ثلاجتك التى اشتريتها بحُر مالك لا تطيع أوامرك، فلا تصل بدرجة التبريد إلى الدرجة التى تختارها، أو تذعن لاختياراتك فى تقسيم محتوياتها.
لقد صارت صندوقًا حديديًّا أجوف، وصرت أنت وهى تحت رحمة الفنى، ويا عالِم إن كان يفقه مبادئ الإصلاح، أو إن كان العطب قابلًا للإصلاح من أصله.
العبرة هى أنك ستكتشف مقدار اعتمادك على الثلاجة، وتحول تفاصيل الحياة اليومية العادية إلى كابوس حقيقى، بدءًا من الحرمان من الماء البارد مرورًا بعدم القدرة على حفظ الطعام دون أن يفسد وانتهاء بالمصير المجهول الذى ينتظرك، أنت وثلاجتك!، وهذا بالضبط ما جرى يوم الجمعة. تعطلت بنوك وشركات ومؤسسات وأنظمة وزارات وهيئات ومستشفيات ومطارات، وأُلغيت رحلات وسادت- ومازالت- فوضى عارمة فى أكثر الدول تقدمًا على ظهر الأرض.
وأنوه هنا أيضًا بأن المقصود من هذه السطور ليس التغنى بأن الدولة الفلانية لم تتأثر لأن ربنا حاميها أو لأنها مذكورة فى الكتب المقدسة، فهذه الدول أيضًا تصيبها «الأعطال» المشابهة.
فى مصر مثلًا، ضرب «عطل فنى» خدمة المحافظ الإلكترونية لإحدى الشركات، وفى مارس الماضى حدث عطل آخر كبير مشابه. فى عصر الثورة الرقمية، لا يوجد أحد فى مأمن كامل من الأعطال. الثورة الرقمية احتكرت العالم، وهذا عرَض جانبى من أعراض التقنيات الحديثة، ويكشف اعتماد البشرية شبه الكامل على التكنولوجيا بحلوها ومرها.