بقلم:أمينة خيري
«إطلالة جريئة للفنانة فلانة»!.. عنوان يكتسح عالم الصحافة التقليدية و«الجديدة»، إن صح التعبير. أصبحت أقرب ما تكون إلى مدرسة فكرية ومنهج مدروس. إطلالة جريئة!. أيوة، وبعدين؟. هذا سؤال لا يسأله سوى السذج والغافلين والبلهاء. تلمع عينا المتلقى للكلمتين السحريتين: إطلالة وجريئة. إطلالة تشير إلى جسد وملابس، وجريئة لا تعنى إلا خروجًا عن المألوف.
ولأن المألوف اليوم لا يمت بصلة إلى مألوف الأمس، فإن الرسالة الثاقبة فى «إطلالة جريئة» هى: «انقر الآن، ثم انطلق فى آفاق الشتم والسب واللعن وإصدار أحكام الجنة والنار»، أو «أطلق العنان للنفوس المريضة والمحرومة لتتعامل مع الإطلالة الجريئة تعامل المرضى مع المواد الإباحية».
أعلم أن الصحافة بعافية، وأن قواعد الإعلام تغيرت، وأن أعتى صحف العالم، وحتى مواقعها الإلكترونية، باتت تعتمد على التبرعات وتناشد القراء الأوفياء دعمها ولو بدولار أو استرلينى أو يورو، وذلك لتبقى على قيد الحياة. وأعلم كذلك أن السوشيال ميديا قضت على الكثير من قواعد وأساسيات وأخلاقيات العمل الصحفى، ولكن أليس بيننا صانع محتوى ومتلقٍّ رشيد؟.
كنت قد بدأت فى كتابة هذه السطور قبل «إطلالة» صور زفاف الفنانة مى فاروق. ورغم أن مدرسة «إطلالة جريئة» الفكرية لم تكن هى سيدة الموقف، فإن تعليقات ومقاصل ومشانق وجنة ونار المتلقين جاءت متطابقة مع أحكام «إطلالة جريئة» العرفية.
ماذا حدث لهذا المجتمع؟.. هذا سؤال استنكارى أكثر منه استفهاميًّا. ماذا جرى؟. إجابته معروفة، ولو أنكرتها الجموع، وتجاهلها المسؤولون عن إصلاح الفكر، ونبذها المستفيدون من تلك الخلطة الجهنمية الحريصة على الإبقاء على نموذج التدين طويل اللسان، والالتزام منزوع الأدب عديم التربية.
تديَّن المجتمع المصرى وأصبح أشد التزامًا فى مظهر إناثه، وتغيرت لغته ومفرداته، فأصبحت هناك لغة للحاجزين أماكن فى مقدمة الجنة وأخرى للمتوقع لهم الشواء فى نار جهنم. تديَّن المجتمع، لكن زادت أعداد الشتامين اللعانين المتدخلين فى شؤون غيرهم المطلقين الأحكام على كل مَن حولهم بناء على الكتيب الذى وزعه عليهم أمراؤهم، وصارت مقاييسهم وقواعدهم وأخلاقياتهم صورة طبق الأصل مما حدده كبراؤهم، لا ربهم.
المنظومة القيمية لكثيرين أصبحت لا تخرج عن «مَن ارتدت ماذا؟» و«الإطلالة الجريئة»، باعتبار ذلك المعايير المحددة لمدى صلاح المجتمع، وجودة الحياة، ورفعة الناس، ومصائر الملايين، بالإضافة بالطبع إلى أحكام الجنة والنار.
أعود إلى ما يُغضب البعض، تدين المجتمع بشكل واضح على مدار نصف القرن الماضى، ويتصاعد هذا النوع من التدين الذى يحمل متناقضات المظهر الملتزم مع الأخلاق القبيحة بشكل واضح مؤخرًا. مكبرات الصوت تتضاعف، نقاب الطفلة والمراهقة يتزايد، أحكام الجنة والنار للجميع، لعن وشتم وسب الآخرين يتزايد، لكن ماذا عن أخلاق المجتمع «بحق وحقيقى»، عمله وعلمه وإنجازه العلمى وضميره ونظافة شوارعه وحدود حريته الشخصية واحترامه لحق الرصيف والشارع وقواعد القيادة؟، والقائمة طويلة!، وأين الصحافة التقليدية و«الجديدة» من ذلك، بالإضافة بالطبع إلى «إطلالة جريئة»؟!.