بقلم:أمينة خيري
إن رمضان قارب على الانتهاء، ومن منطلق أن الجميع سيعود أدراجه إلى سابق تفاصيل الحياة التى توقفت أو سكنت أو خمدت قليلا كعادة الأمور فى شهر رمضان، أستأذن الجميع فى إعادة نشر أجزاء من مقال نشر فى هذه المساحة فى يناير الماضى تحت عنوان «تخفيف أحمال الضوء». وأهدى الحكومة بكامل عدتها، سواء بقيت الحالية كما هى أو أعيد تشكيلها جذريا أو جزئيا، هذه السطور، وفيها رأى يحمل رجاءً، ووجهة نظر ربما تؤت ثمارا يحلم بها الجميع. قلت إن «المفتاح هو الاقتصاد. كان هكذا، وسيظل ما فى الجيب هو المتحكم، ليس فقط فى المزاج العام للشعوب، لكن فى مصائرها.
لا صوت يعلو على صوت الاقتصاد. والمواطن العادى فى أى دولة لديه مجسات بالغة الحساسية للوضع الاقتصادى. قد يخرج عليه وزراؤه ومسؤولوه ليؤكدوا له أن البلاد حققت نسب نمو غير مسبوقة، والناتج المحلى الإجمالى قفز قفزات كبيرة... إلخ، لكن لو لم ينعكس ذلك على زيادة جبارة فى مقدار ما فى جيبه، فكل ما يقال يبقى حلما مع وقف التنفيذ. وجيب المواطن المصرى فى حالة يرثى لها، لا لشح ما فيه فقط، لكن لأنه لا يدرى ما سيؤثر على هذا الجيب وتوقيت التأثير بالتقريب.
المواطن المصرى يتمتع بقدرة عظيمة على التكيف والتعايش. وهو ما إن يرى ضوءا، ولو خافتا، فى نهاية النفق، أى نفق، حتى يكتسب قوة وعزيمة وإرادة وصبرا وجلدا. وغياب الضوء، يلقى بظلال وخيمة جدا، لا على جيب المواطن، «فالفلوس بتروح وتيجى»، لكن على قدرته على التكيف والصمود.
ولا أبالغ إن قلت إن المواطن المصرى حاليا لا يبحث عما يحشو به جيبه، بقدر ما يبحث عما يهدئ به قلقه. وسأتهور وأقول إن جانبا غير قليل من تصريحات البعض من المسؤولين فى الفترات الماضية، والتى يفترض أنها كانت تقال من أجل الطمأنة أدت إلى المزيد من القلق. لماذا؟ لأن، كما أسلفت، المواطن العادى البسيط غير المتخصص فى الاقتصاد وغير الدارس لأسواق المال وغير الخبير بمعدلات النمو لديه مجساته بالغة الحساسية.
ورغم أننا نميل عادة إلى الشكوى والتذمر من الأحوال بشكل عام، وذلك بعد أن نقول «الحمد لله رضا»، إلا أنه يلاحظ أن معدلات الشكوى ومحتوى التذمر مختلفان. عقود طويلة وسائق التاكسى- على سبيل المثال- يشكو ضيق ذات اليد وقلة ما فى الجيب وارتفاع الأسعار. اليوم، يعرف أن الراكب يعانى مثله، وربما أكثر. وكلاهما ينتظر الضوء المرجو، لا بتصريحات لا يهضمها، ولكن برؤية- لا رؤيا- اقتصادية. كلاهما يعلم أن التحديات كبيرة، و«الكماشة» على مصر خطيرة، لكنه يعلم أيضا أن العديد من الروشتات الوطنية المقترحة لم تفعّل بعد.