بقلم : أمينة خيري
ما إن تنطق عبارة تتعلق بالقانون واحترامه أو بالأحرى قلة احترامه، حتى تجد مَن باغتك سائلًا أو ساخرًا: «قانون؟، وهو فين القانون؟»، أو «شالله يا قانون!، عن أى قانون تتحدثين؟!». وحتى لا تختلط الأمور، فإن الحديث يكون عادة عن القانون فى سياقه المنظم للعلاقات بين الناس والمرور فى الشارع والحقوق والواجبات، التى تضمن سلاسة الحياة اليومية دون أن تكون السطوة للأقوى عضلات أو علاقات. أتحدث عن القانون الذى يمنع شخصًا من السير العكسى، ويمنع هذا الشخص من التعدى على آخر يطلب منه عدم السير العكسى. أتحدث عن القانون الذى يمنع شخصًا من الاستماع لموسيقى أو غيرها بأعلى صوت، ويمنع هذا الشخص من التعدى على آخر يطلب منه خفض الصوت. أتحدث عن القانون الذى يمنع شخصًا من إلقاء القمامة فى الشارع أو فى منور العمارة، ويمنع هذا الشخص من التعدى على آخر يطلب منه التوقف عن ذلك. والقائمة طويلة، وهى تمثل تفاصيل الحياة اليومية التى تجعل المواطن يشعر أنه يعيش فى دولة قانون أو العكس. ونحمد الله كثيرًا على يد القانون العائدة بعد طول غياب فى ملفات مثل التعدى على أراضى الدولة أو البناء المخالف وغيرها. لكن الحياة فى مصر تحتاج أن تستوى بشكل أفضل من ذلك.
حياتنا اليومية منزوعة القانون بشكل كبير. أعلم تمامًا أن القائمين على أمر الدولة لديهم الكثير بين أياديهم حاليًا بين صعوبات اقتصادية ضاغطة، وأوضاع سياسية إقليمية ودولية متغيرة وقائمة المسؤوليات الكبرى طويلة. لكنى أعلم أيضًا أن إطالة أمد ترك الحبل على الغارب فى الشارع وفى تنظيم العلاقات بين المواطنين- والاعتماد على «تدخل ولاد الحلال» أو «بالله عليك صلى على النبى (ص) وكبر دماغك» أو غيرها- لها آثار عكسية مُميتة على المديين المتوسط والطويل. وأقول من وحى خبرتى الشخصية إن آثار غياب القانون تُضعف الثقة فى الدولة، وتُوتِّر العلاقة بين المواطنين وبعضهم البعض، وتستنفر الجميع الذى يبادر للدفاع (أو الهجوم) عن نفسه إما بالعنف اللفظى أو الفعلى، وتكسر هيبة الشرطة، وتُزعزع مكانة العدالة، وهذا بعض الآثار المحلية. أما الآثار العابرة للحدود، فتتراوح بين إلحاق الضرر بقطاع السياحة، حيث يفكر السائح مرتين وثلاثًا قبل أن ينفق أموالًا كى يغامر بنفسه وسلامته النفسية والجسدية. كما تكتسب الدولة سمعة غير طيبة، ويطلق العالم على مواطنيها نعوتًا رديئة. وبناء على ملاحظاتى أيضًا أقول إن هناك ما يشبه «الثأر البايت» بين قاعدة عريضة من المواطنين وبين القانون واحترامه. ولا أميل كثيرًا إلى حجة «القهر والظلم» طيلة عقود سابقة. ولكن أفسرها فى ضوء ضعف إيمان مُطبِّقى القوانين أنفسهم به، وإقحام مبدأ «معلش» و«الدنيا ماطارتش» فى كل كبيرة وصغيرة، واختلاط حابل الحريات الشخصية بنابل الحدود، وبالطبع استبدال «العيب» و«مايصحش» بالحلال والحرام