بقلم : أمينة خيري
استكمالًا للجدال المستعر حول ما قالته نقيبة أطباء القاهرة الدكتورة شيرين غالب، أستاذ الطب الشرعى والسموم، فى مناسبة تخرج دفعة من طبيبات «الأزهر» حول أولوية دورهن فى مجال الأمومة قبل المهنة والتخصص، أشير إلى أن ما قالته ليس جديدًا أبدًا.. وهو يندرج تحت بند منظومة «رميت الشنطة على الأرض وفيها كتاب الدين»، وهى المنظومة التى نقف فيها جميعًا عن «يو تيرن» الوطن.
«يو تيرن» الوطن هو الذى يدفع قطاعًا من الأصدقاء والمعارف والقراء إلى الاعتقاد بأن من يعترض على مكبرات الصوت المبالغ فيها أعلى المساجد هو اعتراض على الدين، ودعوة إلى إلغاء التدين، وإعلان الحرب على المتدينين.
وهو الـ«يو تيرن» الذى يجعل المعترض على ارتداء معلمة أو ممرضة النقاب هو ترويج للفسق والفجور ودعوة لنشر العرى والرذيلة فى الشارع المصرى الذى بات معروفًا بـ«الأخلاق» العالية و«السلوك» القويم الرائع، الذى يجعل السياح يتجهون إلى دعوة أصدقائهم وصديقاتهم لمعاودة الزيارة، لتكرار التجارب الرائعة للسير فى الشارع، والتعامل المبهر مع الباعة فى الأسواق والصبية فى منطقة الأهرامات.. إلخ.
هذا الـ«يوتيرن» قاتل ومزرٍ. لماذا؟ لأن البعض يُصر على لفه عكس الاتجاه، وهو ما يسفر عن صدامات مروعة وارتطامات مفزعة. هذه الثنائية الجدلية التى أصبح لا ثالث لها محدودة الأفق ضيقة الفكر، بل لا فكر لها أصلًا.
طبيبة «ناجحة»، هى الدكتورة شيرين، تلقى كلمة وتوجه نصيحة لطبيبات تخرجن للتو بعدما كلفن الدولة «شىء وشويات» من أجل تعلم مهنة الطب السامية الراقية باهظة الكلفة، ويفترض أنهن بذلن جهدًا جهيدًا وسهرن الليالى وواصلن الصيف بالشتاء حتى يجتزن سنوات الدراسة الأولى الصعبة (على اعتبار أن مهنة الطب هى مهنة التعلم المستمر)، فهل المناسب أن أنصحهن بأولوية البيت والعيال؟! البيت والعيال فى منتهى الأهمية بكل تأكيد، ولو لم يستوِ البيت والعيال، لن يستوى مصر والمصريون.. لكن لكل مقال مقام.
فمثلًا يمكن توجيه نصيحة مشابهة فى افتتاح حضانة لرعاية أبناء الطبيبات فى مستشفى لتذكير الطبيبات حديثات التخرج بأن الدولة أو الجهة التى يعملن فيها لم تقصر فى القيام بمسؤولياتها تجاههن، فبعد حصولهن على أرقى الشهادات العلمية وكذلك توفير سبل الجمع بين المهنة الشاقة التى اخترنها بمحض إرادتهن وكلفت دافع الضرائب الذى سيحصل على خدمة طبية «راقية» الكثير مع توفير مكان آمن للصغار أثناء ساعات العمل، عليهن القيام بواجبهن كاملًا متكاملًا.
الطبيبة التى درست الطب، ثم اختارت أن تحصل على وظيفة «خيال مآتة» حيث تذهب إلى الوحدة الصحية لتمضى «حضور»، وتطلب من زميل أو زميلة التوقيع لها «انصراف»، أو تلك التى لا تذهب إلى الوحدة إلا فيما ندر، مثلًا كان عليها أن تختار كلية أخرى للدراسة، وربما الاكتفاء بالدراسة الثانوية أو الإعدادية، ويكفى ما يعانيه «يو تيرن» الوطن من اختناقات فكرية.